تركيا فـي وجــه العاصفــة..!!
حسين الرواشدة
جو 24 : يبدو ان وجه تركيا بعد تفجيرات انقرة تغير تماما ، فمنذ اكثر من تسعين عاما لم يصحَ الاتراك على مثل هذه الحصيلة من القتلى والمصابين الذين خلّفهم انفجاران استهدفا متظاهرين خرجوا لرفض الحرب والمطالبة بالسلام (وصل عدد القتلى الى 102 و246 مصابا ) ، ومنذ ذلك الوقت (10/10) لم يهدأ النقاش داخل المجتمع التركي حول ما حدث ، ومن يقف وراءه، ومن هو المستفيد منه ، خاصة وان موعد الانتخابات البرلمانية التي تعتبر نقطة تحول هامة في مسار العملية السياسة التركية اقترب (مطلع الشهر القادم ) ، كما ان ما يجري في سوريا بعد الدخول الروسي على الخط اربك المشهد داخل تركيا ، وخارجها ايضا. خلال ثلاثة ايام امضيتها في تركيا حاولت ان ارصد المزاج هناك ، سياسا وشعبيا ، وكان من اللافت ان هذا المزاج يتعرض لحالة من “الاضطراب”، ربما لم تشهدها تركيا منذ وصول الاسلاميين للسلطة قبل نحو 13 عاماً، وحين سألت من التقيتهم من الاعلاميين والمواطنين شعرت أن وراء هذه الحالة احساسا بارتدادات الزلزال الذي خلفته الانفجارات المتتالية (3 في اربعة شهور) ومعظم ضحاياها من الأكراد الامر الذي تسبب باهتزاز” وحدة” المجتمع التركي وتماسكه وصولا الى انحسار ثقته بامنه واستقراره، واعتقد ان هذا بالضبط “السر” الذي يقف وراء استهداف تركيا من الاعمال الارهابية التي تعرضت لها، لاسيما وانها ارتبطت بشكل او بآخر بمواعيد الانتخابات البرلمانية. انقسام المجتمع التركي بين من يؤيد لاردوغان والحكومة التي يرأسها حزب اسلامي وبين من يعتقد انها فشلت في التعامل مع “ازمة” الحرب والامن والارهاب، له بالطبع اسبابه، وابرزها موقف تركيا من الصراع السوري ومن “اجندات” الحروب المشتعلة في المنطقة، كما ان استحقاقاته التي ترتبط داخياً بانتهاء “الهدنة” مع التنظيمات الكردية (الكردستاني وحزب الشعوب الديمقراطي)، واقليمياً مع ايران واسرائيل، ودولياً مع اميركا وروسيا،هذه العوامل وغيرها اشتبكت معاً لاضعاف الدور التركي ودفعه للانكفاء على نفسه، وحرمانه من “التنافس” على طاولة اي تفاهمات سياسية تتعلق بتحديد مستقبل المنطقة. على الرغم من ارتفاع صوت خصوم حزب العدالة والتنمية ومحاولاتهم الاستثمار في “الانفجارات” التي تمت لاجهاض امكانية عودة الحزب لامتلاك الاغلبية البرلمانية من خلال الانتخابات، الاّ ان اغلبية الاتراك يدركون الخطر الحقيقي الذي يتربص ببلادهم، ومصادر التهديد التي يواجهها، ومن يقف وراءها وماذا تريد ايضاً، وقد سمعت من اتراك لا يؤيودون “اردوغان” ان تركيا كدولة، وليس الاسلاميين كرئيس وكحكومة ، هي المتسهدفة، لأن ما يحدث هو صراع على تركيا، وهدفه اقصائها من المشهد، لأن استمرارها بالحضور فيه سيعقد -او حتى ربما يمنع - تمرير اجندات اصبحت جاهزة، سواء في سوريا او في المنطقة بشكل عام. سمعت ايضا ان انفجارات “انقرة” التي تم توجيه اصابع الاتهام فيها “لداعش” تتجاوز مسألة تصفية الحسابات بين التنظيم والحكومة التركية، فهنالك اطراف دولية ومحلية يبدو انها تورطت في الترتيب للجريمة وربما المشاركة فيها،وهنا فإن حزب العمّال الكردستاني وذراعه السياسي حزب الشعوب الديمقراطي اضافة الى امتداداتها في سوريا والعراق، اضافة لايران وروسيا، ليسوا بعيدين عما جرى،الأمر الذي دفع اردوغان وحكومته الى تحديد هذه الجهات “كعدو” اساسي، واعتقد ان خيارات المواجهة معها ستتحدد على ضوء نتائج الانتخابات (للأكراد نحو 80 مقعدا في البرلمان الحالي)، وهنا فإن النقاش الذي يدور الآن لا يستبعد امكانية اعادة التفاهمات مع الاكراد،وحصر المواجهة مع التنظيمات التي صنفت على قائمة الارهاب فقط. بقي ان أشير الى مسألتين: الاولى مزاج الشارع فيما يتعلق بالانتخابات القادمة، والثانية النظرة التركية الجديدة للتعامل مع ملف الارهاب ومتعلقاته...وهذا يحتاج الى مقال آخر نكمله غداً ان شاء الله...