كيف تفكر تركيا.. وماذا يريد اردوغان..؟!
حسين الرواشدة
جو 24 : ما رأيك في اردوغان..؟ لم يفاجئني سؤال السائق الذي اقلني من امام دوار تقسيم(الاستقلال) الى مسجد السلطان احمد المقابل «لآيا صوفيا»، فقد سمعته يتردد على ألسنة الكثيرين هنا، بعضهم ما زال يعتبر اردوغان زعيما ملهما، واخرون ينتقدونه بشدة، اما السائق فلم ينتظر اجابة مني، سارع على الفور بالهجوم على اردوغان ثم اخرج هاتفه وقلّب امامي صورا لاقارب له قال انهم قتلوا في تفجيري انقرة الاخير، كان بينهم فتاة لم تتجاوز العشرين من العمر.
فيما كنت اصغي الى السائق( وهو شاب كردي ) عندما تحدث بغضب عن اردوغان وداعش والانتخابات البرلمانية القادمة التي يعتقد ان نصيب الاكراد فيها سيكون كبيرا، استعدت من ذاكرتي صورة اسطنبول التي زرتها قبل نحو 20 عاما، ثم ما اصبحت عليه الان ، ربما كان المكان هو الذي فرض علي ذلك، آنذاك اقمت في فندق زمزم المقابل لدوار تقسيم، وها انا انظر اليه والى ما حوله واقارن ما بين الامس واليوم على ايقاع هجوم السائق على اردوغان وتجربة حكم التنمية والعدالة، يبدو كل شيء مختلفا، لا يمكن ان اختصر الانجاز الذي تحقق ابتداء من الجسور المعلقة الى الانفاق والاسواق وصولا الى النهضة العمراني والاقتصادية التي لم تقتصر على اسطنبول وانما شملت معظم انحاء تركيا.
تساءلت في نفسي : من غيّر وجه اسطنبول بهذه الصورة ؟ لا شك ان اردوغان كان حاضرا في مشهد التغيير والانجاز هذا، منذ ان كان عمدة للبلدية ثم رئيسا للحكومة وحتى بعد ان اصبح رئيسا للدولة، مشكلة بالطبع ان يتم اختزال الانجاز في شخص، فهذا خطر ينعكس على الشخص وعلى المجتمع وعلى الفكرة والمشروع ايضا ، لكن هذا جزء من تجربتنا الاسلامية لم ننجح للاسف في تجاوزه، ومع ذلك فلاردوغان خصوم يتوزعون على خرائط تبدو منسجمة احيانا ومتناقضة غالبا : جماعة الخدمة وزعيمها غولن التي اكتشف الاتراك ان وزنها في الشارع متواضع على خلاف مدى اختراقها لبعض اجهزة الدولة وللاعلام ايضا، هناك الاحزاب اليسارية والقومية وخاصة التي ترتبط «بالقضية الكردية» او التي تتعاطف مع النظام السوري ، هؤلاء يعتقدون ان اردوغان اخذ تركيا الى طريق آخر، ولانهم لا يستطيعون ان يشككوا في انجازاته فقد اقتحموا بوابة «الامن « ليقنعوا المواطن التركي ان مواقف اردوغان وسياساته سلبت منهم اهم ما يحتاجونه.
هنا بالذات ، يبدو السؤال عن «الارهاب» الذي يطرح الان داخل المجتمع التركي مفهوما، ومع ان القراءات تختلف تبعا للاجندات السياسية للفرقاء «المتشاكسين» الا ان ما سمعته من احد الخبراء الاتراك القريبين من دوائر القرار ساعدني على فهم ما يفكر به اردوغان، وما يفعله بالتالي حزب التنمية والعدالة سواء في تعامله مع ملفات الداخل(الاكراد وداعش مثلا) او مع ملفات الخارج ( الحرب في سوريا والازمة في مصر وربما ليبيا واليمن ) ، الرجل ذكر ان صعود نجم الاسلام السياسي بعد الربيع العربي دفع القوى الدولية الى «تضخيم» خطر (البدر) السني الذي اصبح يتشكل بقوة، تماما كما فعلوا بعد ثورة الخميني عندما حاصروا ايران «وشيطنوها « واقحموها في الحرب مع العراق، ولأن مصالحهم في هذه المنطقة ستبقى مهددة اذا ما تمكنت التجارب السياسية الاسلامية من اثبات وجودها ، فانهم (الدول الكبرى) تعمدوا اجهاض هذه التجارب من خلال ازاحتها من الحكم (مصر مثلا) او اضعافها (تونس مثلا) او ارباكها ودفعها الى الانكفاء على نفسها (تركيا مثلا)، وقد استخدموا لتحقيق ذلك ادوات عديدة، ابرزها : الارهاب الذي يمارسة وكلاء معتمدون مثل داعش، او تنظيمات اخرى لها مطالب انفصالية مثل «العمال الكردستاني» ، وتركيا - كما قال - تدرك ان هذا الارهاب صناعة ثقيلة يجري استخدامها لتفكيك الاسلام السياسي واضعافه او لتشويه الاسلام باعتباره المرجعية لهذه الحركات والنماذج، لكنها تدرك - في المقابل - ان موجة التغيير في العالم العربي والاسلامي مستمرة ولم تتوقف وان لها جولات قادمة ستنتصر من خلالها الشعوب على الارهاب وستكشف ادواته سواء اكانت سياسية ام دينية، وفي هذا تستثمر تركيا.
ربما ، وفق هذه القراءة تتعامل «انقرة» مع ملف الارهاب الذي يستهدفها بشراسة ، باعتباره صناعة مجهزة للانقضاض على تجربتها الاسلامية، ومع ملف الحرب في سوريا بما يتضمنه من تحالفات وخلافات دولية واقليمية ، باعتباره جزءا من صراع المشاريع في المنطقة ( مشروع ايران ومشروع اسرائيل ومشروعها الذي اصبح يمثل اهل السنةكما يعتقد البعض في الدوائر الغربية )، وبالتالي فان المطلوب هو اخضاع تركيا لشروط محددة تضمن استيعابها وتمنع تمددها وتحدد ادوارها في المنطقة، وهذا ما دفع الاتراك (اردوغان بشكل خاص) الى التعامل بحزم تجاه الداخل وخاصة التنظيمات التي تصنف كارهابية، والى التعامل بمرونة مع الخارج للحفاظ على درجة من التفاهم تضمن امن ومصالح تركيا ، لكن هذا التعامل، ربما، سيأخذ اشكالا اخرى اكثر وضوحا بعد الانتخابات البرلمانية (1/11) خاصة اذا تمكن حزب العدالة والتنمية من الحصول على اغلبية تسمح له بتشكيل حكومة تحظى باغلبية برلمانية.
الدستور
فيما كنت اصغي الى السائق( وهو شاب كردي ) عندما تحدث بغضب عن اردوغان وداعش والانتخابات البرلمانية القادمة التي يعتقد ان نصيب الاكراد فيها سيكون كبيرا، استعدت من ذاكرتي صورة اسطنبول التي زرتها قبل نحو 20 عاما، ثم ما اصبحت عليه الان ، ربما كان المكان هو الذي فرض علي ذلك، آنذاك اقمت في فندق زمزم المقابل لدوار تقسيم، وها انا انظر اليه والى ما حوله واقارن ما بين الامس واليوم على ايقاع هجوم السائق على اردوغان وتجربة حكم التنمية والعدالة، يبدو كل شيء مختلفا، لا يمكن ان اختصر الانجاز الذي تحقق ابتداء من الجسور المعلقة الى الانفاق والاسواق وصولا الى النهضة العمراني والاقتصادية التي لم تقتصر على اسطنبول وانما شملت معظم انحاء تركيا.
تساءلت في نفسي : من غيّر وجه اسطنبول بهذه الصورة ؟ لا شك ان اردوغان كان حاضرا في مشهد التغيير والانجاز هذا، منذ ان كان عمدة للبلدية ثم رئيسا للحكومة وحتى بعد ان اصبح رئيسا للدولة، مشكلة بالطبع ان يتم اختزال الانجاز في شخص، فهذا خطر ينعكس على الشخص وعلى المجتمع وعلى الفكرة والمشروع ايضا ، لكن هذا جزء من تجربتنا الاسلامية لم ننجح للاسف في تجاوزه، ومع ذلك فلاردوغان خصوم يتوزعون على خرائط تبدو منسجمة احيانا ومتناقضة غالبا : جماعة الخدمة وزعيمها غولن التي اكتشف الاتراك ان وزنها في الشارع متواضع على خلاف مدى اختراقها لبعض اجهزة الدولة وللاعلام ايضا، هناك الاحزاب اليسارية والقومية وخاصة التي ترتبط «بالقضية الكردية» او التي تتعاطف مع النظام السوري ، هؤلاء يعتقدون ان اردوغان اخذ تركيا الى طريق آخر، ولانهم لا يستطيعون ان يشككوا في انجازاته فقد اقتحموا بوابة «الامن « ليقنعوا المواطن التركي ان مواقف اردوغان وسياساته سلبت منهم اهم ما يحتاجونه.
هنا بالذات ، يبدو السؤال عن «الارهاب» الذي يطرح الان داخل المجتمع التركي مفهوما، ومع ان القراءات تختلف تبعا للاجندات السياسية للفرقاء «المتشاكسين» الا ان ما سمعته من احد الخبراء الاتراك القريبين من دوائر القرار ساعدني على فهم ما يفكر به اردوغان، وما يفعله بالتالي حزب التنمية والعدالة سواء في تعامله مع ملفات الداخل(الاكراد وداعش مثلا) او مع ملفات الخارج ( الحرب في سوريا والازمة في مصر وربما ليبيا واليمن ) ، الرجل ذكر ان صعود نجم الاسلام السياسي بعد الربيع العربي دفع القوى الدولية الى «تضخيم» خطر (البدر) السني الذي اصبح يتشكل بقوة، تماما كما فعلوا بعد ثورة الخميني عندما حاصروا ايران «وشيطنوها « واقحموها في الحرب مع العراق، ولأن مصالحهم في هذه المنطقة ستبقى مهددة اذا ما تمكنت التجارب السياسية الاسلامية من اثبات وجودها ، فانهم (الدول الكبرى) تعمدوا اجهاض هذه التجارب من خلال ازاحتها من الحكم (مصر مثلا) او اضعافها (تونس مثلا) او ارباكها ودفعها الى الانكفاء على نفسها (تركيا مثلا)، وقد استخدموا لتحقيق ذلك ادوات عديدة، ابرزها : الارهاب الذي يمارسة وكلاء معتمدون مثل داعش، او تنظيمات اخرى لها مطالب انفصالية مثل «العمال الكردستاني» ، وتركيا - كما قال - تدرك ان هذا الارهاب صناعة ثقيلة يجري استخدامها لتفكيك الاسلام السياسي واضعافه او لتشويه الاسلام باعتباره المرجعية لهذه الحركات والنماذج، لكنها تدرك - في المقابل - ان موجة التغيير في العالم العربي والاسلامي مستمرة ولم تتوقف وان لها جولات قادمة ستنتصر من خلالها الشعوب على الارهاب وستكشف ادواته سواء اكانت سياسية ام دينية، وفي هذا تستثمر تركيا.
ربما ، وفق هذه القراءة تتعامل «انقرة» مع ملف الارهاب الذي يستهدفها بشراسة ، باعتباره صناعة مجهزة للانقضاض على تجربتها الاسلامية، ومع ملف الحرب في سوريا بما يتضمنه من تحالفات وخلافات دولية واقليمية ، باعتباره جزءا من صراع المشاريع في المنطقة ( مشروع ايران ومشروع اسرائيل ومشروعها الذي اصبح يمثل اهل السنةكما يعتقد البعض في الدوائر الغربية )، وبالتالي فان المطلوب هو اخضاع تركيا لشروط محددة تضمن استيعابها وتمنع تمددها وتحدد ادوارها في المنطقة، وهذا ما دفع الاتراك (اردوغان بشكل خاص) الى التعامل بحزم تجاه الداخل وخاصة التنظيمات التي تصنف كارهابية، والى التعامل بمرونة مع الخارج للحفاظ على درجة من التفاهم تضمن امن ومصالح تركيا ، لكن هذا التعامل، ربما، سيأخذ اشكالا اخرى اكثر وضوحا بعد الانتخابات البرلمانية (1/11) خاصة اذا تمكن حزب العدالة والتنمية من الحصول على اغلبية تسمح له بتشكيل حكومة تحظى باغلبية برلمانية.
الدستور