2024-12-24 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

من هذه الابواب الـ « 5 » دخل التطرف..!!

حسين الرواشدة
جو 24 : كيف دخلت بذرة التطرف الى بلادنا، ولماذا انبتت كل هذه الاشواك التي نحاول ان نقتلعها اليوم، وهل المشكلة مشكلة اشواك ام مشكلة تربة مهملة لم تجد من يرعاها فما كان لها ان تخرج سوى هذا الحسك والعوسج؟ قبل ان اجيب على هذه التساؤلات، ارجو ان يأذن لي القارىء الكريم بتسجيل ملاحظتين على سبيل الاستدراك: اولاهما اننا نتحدث عن التطرف بصورة عمومية، دون ان نربطه بحادثة معينة، او مصدر او جهة متهمة، واذا كان هذا السلوك مرفوضا من الجميع، فان علينا ان نعترف بان ممارسته مهما كانت مبرراتها ودوافعها مرفوضة، ايضا، يستوي في ذلك الافراد والجماعات والحكومات على حد سواء. اما الملاحظة الثانية فهي ان كثيرا من الافراد الذين يمارسون العنف ضحايا وليسوا مجرمين، وعليه فان تعاملنا معهم بالحلول الامنية او العقابية او الاستئصالية هو البوابة الاوسع التي ادخلت الينا مزيدا من العنف والتمرد والخروج على النظام والقانون.. اما لماذا؟ فلأن ثمة دروسا من العنف السياسي والاجتماعي والاقتصادي حقنت هؤلاء بأمصال ما نشكو منه من عنف او بثقافة ما نعانيه من كراهية للمجتمع وتطاول عليه. واذا كان “الضحايا” في العادة بحاجة الى علاج، وهذا ما افتقدناه، فانهم بحاجة الى محاسبة.. لكننا - للأسف - تجاوزنا كل ذلك الى معاقبتهم وتحميلهم مسؤولية الاثم كله، دون ان نسأل انفسنا عن مدى مشاركتنا في مثل هذا الاثم او الخطأ. وتبقى على الهامش ملاحظة ثالثة تتصل بالملاحظتين السابقتين وتكملهما وهي اننا ازاء هذه المشكلة قد عدمنا جانبين: احدهما المعلومات والحقائق اللازمة حول خارطة وحجم حالة التطرف او ظاهرته، وحول اخطاره وابعاده، ومصادره واتجاهاته.. الخ، والسبب في ذلك واضح وهو اننا - في الغالب - نستقي معلوماتنا من مصدر واحد.. ونستمد ما يراد لنا ان نصدقه من جهة واحدة.. دون ان يكون لنا حق التساؤل او حتى الاعتراض. وثانيهما: اننا - في اطار شكوانا من غياب الاصلاحات الديمقراطية الحقيقية قد عدمنا - ايضا - معرفة ما يحدث وما قد يحدث مستقبلا، ثم ما يمكن ان نفعله لتجنب ما يجري، ناهيك عن دوافعه واسبابه الحقيقية، الامر الذي غابت معه امكانية تقديرنا للمشكلة، او فهمنا لها، او قدرتنا على تحليلها وتقويمها والوصول الى تفاصيلها الضرورية. وكل ذلك حدث في ظل اعلام لا يستطيع ان يصل الى “المعلومة” او لا يرغب في الوصول اليها، وانما اكتفى بترويج ما يبثه المصدر الوحيد للمعلومات، او بتضخيم الصورة والمبالغة فيها خدمة لتوجهات او اهداف او نوايا معينة.. فيما تحولت الحقيقة ومعها المجتمع الى ضحايا للعزف المنفرد على اوتار المشكلة الملتهبة. وبالعودة الى ما بدأناه من تساؤلات، فان لنا ان نرصد خمسة مفاتيح للولوج الى الابواب التي دخل منها التطرف الينا، وساهمت - على اختلاف دورها - في تهيئة التربة لاحتضان مزيد من الاشواك.. بدل الاشجار المثمرة والزهور الجميلة. اول هذه المفاتيح امتداد حالة اليأس والاحباط السياسي والاقتصادي، فحيثما يفتقد الناس الامل في التغيير والاصلاح، وتتحول احلامهم الى كوابيس مزعجة، وتغلق امامهم فرص المشاركة والعمل، لا يجدون امامهم سوى طريق واحد وهو التطرف او العنف للتعبير عما يريدونه او تحقيق ما يتطلعون اليه. اما المفتاح الثاني فهو غياب المشروع الوطني الحقيقي، القادر على استثمار طاقات الناس وتفريغ احباطاتهم، حيث ولد هذا الغياب تشتتا في الجهود.. وضياعا للبوصلة ومشكلة في الانتماء.. وبحثا - لا طائل منه - عن الحلم الوطني، بكل ما يتصل بهذا الحلم من مشاعر الامل، والاعتزاز، وتجميع الصفوف والارادات. وثمة مفتاح ثالث - ايضا - وهو اننا في ضوء ما نواجهه من حملات التطرف الخارجي الذي يسعى الى اجتثاث الهوية، وتغريب النشء، والغاء القيم المجتمعية والدينية، لا يمكن ان نتوقع - بدافع المواجهة، ومع انغلاق ابواب التعبير وانسداد قنوات المشاركة - الا ردة فعل مساوية في الاثر ومعاكسة في الاتجاه، وهذا ما حدث - بالضبط - لا سيما على صعيد الشباب الرافض لتدخلات الآخر ومسوخاته المختلفة.. وقد كان التطرف ومعه العنف احدى الوسائل في الرد على تلك الموجة وذلك الاختراق. ويبقى مفتاحان - ايضا - ثالثهما اننا في اطار مواجهتنا للمشكلة، لم نتعلم من تجارب الذين سبقونا، فآثرنا الحلول الامنية، بكل ما فيها من قسوة، الامر الذي ولد ما يشبه حالة “الانتقام” وحين تراكمت المعالجات القسرية، وانتهى الضحايا الى طريق مسدود، وفي غياب مراعاة الخصوصيات المجتمعية، وارتفاع منسوب المرارة المتبادلة، وانعدام حلول السماحة والعفو، وجدنا انفسنا امام نماذج جديدة، لا تكره مجتمعها وتخاصمه فحسب، وانما تكره نفسها وتخاصمها ايضا. اما آخر هذه المفاتيح فأحسب انه مزيج معقد من المناخات الداخلية والخارجية المتداخلة وما تتركه من اصداء لدى الناس، واذا كان التطرف - هنا - رديفا للاحباط، وتعبيرا عن “الانسداد” بكافة اشكاله، فانه ظل - للأسف - الخيار الوحيد للخروج من حالة التجميد والجمود، والسكون والشعور بالهوان، وقد زاد من تفاقمه اننا لم نفهم حالته وفق هذه الاعتبارات ولم نتعامل معها تبعا لتلك المناخات والاضطرارات، وانما اغفلنا مسألة “التربة” وبدأنا في اجتثاث ما نبت فيها من اشواك.. دون ان نسأل انفسنا: كيف خرجت، ولماذا.. وما هو السبيل - بعيدا عن المعاول - لاجتثاثها وتعقيم ارضيتها الفاسدة.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير