تزوير التاريخ
د. حسن البراري
جو 24 : حتى أشد الكارهين للشعب الفلسطيني من بين الإسرائيليين يجد من الصعوبة بمكان تصديق ما تفتق به عقل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عندما زعم بأن الحاج أمين الحسيني هو من نصح هتلر بحرق اليهود.. وحتى المؤرخون الإسرائيليون لم يروق لهم الأمر إذ اعتبروا أن ما جاء به نتنياهو يفتقد لأي سند تاريخي، وهنا نشير إلى دينا بورات المؤرخة المختصة في مركز ياد فشام (وهو المركز المعني بالمحرقة) التي قالت إن كلام نتنياهو ليس دقيقا. ولم يقتصر الأمر على المؤرخين، فالذهول أصاب حتى السياسيين الصهاينة (مثل رئيس حزب العمل إسحق هيرتزوغ) الذين لم يخطر على بالهم أن نتنياهو مستعد لاختلاق وقائع لم تحدث، فهو شخص يكذب دون أن يؤنبه ضميره!
التصريحات التي أدلى بها نتنياهو أمام المؤتمر الصهيوني العالمي السابع والثلاثين في القدس هي انعكاسا لرغبة نتنياهو في تزوير التاريخ والحقائق التاريخية الدامغة التي أكدتها محاكم دولية، وبرهنت على أن هتلر وحزبه النازي هما من خطط لإحراق اليهود، فهتلر لم يكن بحاجة إلى نصيحة من الحاج أمين الحسيني ولم يكن في الوقت نفسه معنيا بالفلسطينيين وقضيتهم. وهذا هو المؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف يقول إن لقاء الحاج أمين الحسيني مع هتلر لم يكن مثمرا لأن هتلر رفض تقديم وعد ألمانيا بدعم الفلسطينيين وقضيتهم، فكيف يمكن عندها للحاج أمين الحسيني أن يقنع هتلر بحرق اليهود!
الألمان بدورهم شعروا بالصدمة من هذه التصريحات، فما أن أنهى نتنياهو تصريحاته حتى قام ستيفن سيبرت الناطق الرسمي باسم مستشارة ألمانيا ميركل بدحض ما ذهب إليه نتنياهو وأصر على أن مسؤولية الهولوكوست تقع على كاهل الألمان لوحدهم، وهو أمر كررته أنجيلا ميركل بنفسها. فالألمان معنيون بهذا الأمر حتى يكون في ذاكرة الشعب الألماني حتى لا تتكرر هذه الجريمة مرة أخرى بحق أي شعب.
نتنياهو ليس غير مطلع على تاريخ المحرقة حتى يأتي بهذه التصريحات، فهو من الصنف الذي يقرأ كثيرا وعاش في بيت والده المؤرخ الصهيوني المعرف، غير أن نتنياهو بتصريحاته هذه التي جاءت من دون أي سياق إنما يحاول أن يحرض ضد الفلسطينيين، فإذا كان الحاج أمين الحسيني هو من زرع فكرة حرق اليهودي بعقل هتلر عندها يحق للإسرائيليين الانتقام من الشعب الفلسطيني وربما حرقه! فلنتخيل الآن لبرهة كيف سيستقبل الشباب من المستوطنين هذه التصريحات؟! فهذه العينة من الإسرائيليين لا تحتاج إلى تحريض لاستهداف الفلسطينيين لكنها الآن قد تشعر بأن ما تقوم به من استهداف وقتل للفلسطينيين هو أمر طبيعي، والسؤال الآن هو كيف ستسيطر الحكومة الإسرائيلية على الإرهاب الصهيوني الذي سيجد ذخيرة إضافية تجعله يعتقد أن ما يقوم به هو أمر مشروع؟!
يتعين على الرد العربي أن يأخذ شكلا أبعد من الاستهجان، فما قام به نتنياهو يصل إلى مرتبة جريمة حرب، فالتصريحات لم تأت من شخص عادي بل وردت على لسان رئيس حكومة منتخب، وهو بذلك مسؤول مسؤولية تامة عن كلامه الذي يجب أن يكون سببا كافيا للمطالبة بتقديمه لمحاكمة دولية بوصفه محرضا على هولوكست آخر بحق شعب أعزل لا ذنب له سوى أنه يطالب بحقه في الاستقلال والتحرر.
طبعا لم يقصد نتنياهو أن يبرئ هتلر من جريمته، فإسرائيل تقاضت مليارات الدولارات من حكومة ألمانيا ثمنا لأرواح يهود قضوا في معسكرات الاعتقال والمحرقة، لكن الهدف من تصريحات نتنياهو كما أفاد هو شخصيا هو إثبات أن الفلسطينيين سعوا إلى تدمير اليهود حتى قبل وجود الاحتلال أو حتى قبل إقامة دولة إسرائيل. أخطر ما في الأمر هو أن نتنياهو يعرف جيدا أن تهمة معاداة السامية يمكن توظيفها لإسكات من ينتقد إسرائيل، وهي وصفة مجربة بنجاح في العلاقة بين إسرائيل وأوروبا، وربما يريد نتنياهو توظيفها ضد من ينتقد جنوح إسرائيل إلى العنف وعدم رغبة حكومتها في كبح جماح قطعان الإرهابيين من المستوطنين.
ما قام به نتنياهو ليس كذبا عاديا يمكن السكوت عنه، بل كذب لخلق وعيّ صهيوني مزيف يكون فيه الفلسطيني هو العدو المهدور دمه، ولا يستقيم ذلك مع ادعاءات نتنياهو بأنه يريد السلام مع الفلسطينيين وأن من يعطل السلام هو الجانب الفلسطيني! وربما على المجتمع الدولي أن يطالب باعتذار نتيناهو عن التشويه المتعمد للتاريخ، فجميعنا نذكر كيف قاطع الرئيس بوش الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بعد حادثة سفينة الأسلحة كارن أيه والتي اتهم بوش عندها عرفات بأنه كان "يكذب" ولهذا لا يستحق أن يكون شريكا في أي عملية سلام. والسؤال هنا لماذا لا تتم مقاطعة نتنياهو بسبب كذبه المتعمد والممنهج لقتل عملية السلام وإرهاب الشعب الفلسطيني؟!
باختصار، ادعاء نتنياهو ليس بائسا فقط لن يجد من يصدقه بل يأتي تعبيرا عن بؤس نتنياهو وضعف موقفه وخشيته من انتفاضة ثالثة تقلق مضاجعه، وهو يتوقع أن الطريقة الوحيدة المتاحة أمامه في ظل خشيته من علمية السلام هي أن يقمع الفلسطينيين وهذا يتطلب المزيد من الشيطنة لهم ولأجدادهم!
التصريحات التي أدلى بها نتنياهو أمام المؤتمر الصهيوني العالمي السابع والثلاثين في القدس هي انعكاسا لرغبة نتنياهو في تزوير التاريخ والحقائق التاريخية الدامغة التي أكدتها محاكم دولية، وبرهنت على أن هتلر وحزبه النازي هما من خطط لإحراق اليهود، فهتلر لم يكن بحاجة إلى نصيحة من الحاج أمين الحسيني ولم يكن في الوقت نفسه معنيا بالفلسطينيين وقضيتهم. وهذا هو المؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف يقول إن لقاء الحاج أمين الحسيني مع هتلر لم يكن مثمرا لأن هتلر رفض تقديم وعد ألمانيا بدعم الفلسطينيين وقضيتهم، فكيف يمكن عندها للحاج أمين الحسيني أن يقنع هتلر بحرق اليهود!
الألمان بدورهم شعروا بالصدمة من هذه التصريحات، فما أن أنهى نتنياهو تصريحاته حتى قام ستيفن سيبرت الناطق الرسمي باسم مستشارة ألمانيا ميركل بدحض ما ذهب إليه نتنياهو وأصر على أن مسؤولية الهولوكوست تقع على كاهل الألمان لوحدهم، وهو أمر كررته أنجيلا ميركل بنفسها. فالألمان معنيون بهذا الأمر حتى يكون في ذاكرة الشعب الألماني حتى لا تتكرر هذه الجريمة مرة أخرى بحق أي شعب.
نتنياهو ليس غير مطلع على تاريخ المحرقة حتى يأتي بهذه التصريحات، فهو من الصنف الذي يقرأ كثيرا وعاش في بيت والده المؤرخ الصهيوني المعرف، غير أن نتنياهو بتصريحاته هذه التي جاءت من دون أي سياق إنما يحاول أن يحرض ضد الفلسطينيين، فإذا كان الحاج أمين الحسيني هو من زرع فكرة حرق اليهودي بعقل هتلر عندها يحق للإسرائيليين الانتقام من الشعب الفلسطيني وربما حرقه! فلنتخيل الآن لبرهة كيف سيستقبل الشباب من المستوطنين هذه التصريحات؟! فهذه العينة من الإسرائيليين لا تحتاج إلى تحريض لاستهداف الفلسطينيين لكنها الآن قد تشعر بأن ما تقوم به من استهداف وقتل للفلسطينيين هو أمر طبيعي، والسؤال الآن هو كيف ستسيطر الحكومة الإسرائيلية على الإرهاب الصهيوني الذي سيجد ذخيرة إضافية تجعله يعتقد أن ما يقوم به هو أمر مشروع؟!
يتعين على الرد العربي أن يأخذ شكلا أبعد من الاستهجان، فما قام به نتنياهو يصل إلى مرتبة جريمة حرب، فالتصريحات لم تأت من شخص عادي بل وردت على لسان رئيس حكومة منتخب، وهو بذلك مسؤول مسؤولية تامة عن كلامه الذي يجب أن يكون سببا كافيا للمطالبة بتقديمه لمحاكمة دولية بوصفه محرضا على هولوكست آخر بحق شعب أعزل لا ذنب له سوى أنه يطالب بحقه في الاستقلال والتحرر.
طبعا لم يقصد نتنياهو أن يبرئ هتلر من جريمته، فإسرائيل تقاضت مليارات الدولارات من حكومة ألمانيا ثمنا لأرواح يهود قضوا في معسكرات الاعتقال والمحرقة، لكن الهدف من تصريحات نتنياهو كما أفاد هو شخصيا هو إثبات أن الفلسطينيين سعوا إلى تدمير اليهود حتى قبل وجود الاحتلال أو حتى قبل إقامة دولة إسرائيل. أخطر ما في الأمر هو أن نتنياهو يعرف جيدا أن تهمة معاداة السامية يمكن توظيفها لإسكات من ينتقد إسرائيل، وهي وصفة مجربة بنجاح في العلاقة بين إسرائيل وأوروبا، وربما يريد نتنياهو توظيفها ضد من ينتقد جنوح إسرائيل إلى العنف وعدم رغبة حكومتها في كبح جماح قطعان الإرهابيين من المستوطنين.
ما قام به نتنياهو ليس كذبا عاديا يمكن السكوت عنه، بل كذب لخلق وعيّ صهيوني مزيف يكون فيه الفلسطيني هو العدو المهدور دمه، ولا يستقيم ذلك مع ادعاءات نتنياهو بأنه يريد السلام مع الفلسطينيين وأن من يعطل السلام هو الجانب الفلسطيني! وربما على المجتمع الدولي أن يطالب باعتذار نتيناهو عن التشويه المتعمد للتاريخ، فجميعنا نذكر كيف قاطع الرئيس بوش الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بعد حادثة سفينة الأسلحة كارن أيه والتي اتهم بوش عندها عرفات بأنه كان "يكذب" ولهذا لا يستحق أن يكون شريكا في أي عملية سلام. والسؤال هنا لماذا لا تتم مقاطعة نتنياهو بسبب كذبه المتعمد والممنهج لقتل عملية السلام وإرهاب الشعب الفلسطيني؟!
باختصار، ادعاء نتنياهو ليس بائسا فقط لن يجد من يصدقه بل يأتي تعبيرا عن بؤس نتنياهو وضعف موقفه وخشيته من انتفاضة ثالثة تقلق مضاجعه، وهو يتوقع أن الطريقة الوحيدة المتاحة أمامه في ظل خشيته من علمية السلام هي أن يقمع الفلسطينيين وهذا يتطلب المزيد من الشيطنة لهم ولأجدادهم!