فتـاوى المشــايــخ والجـنـرالات..!!
حسين الرواشدة
جو 24 : الفرق بين “ الفتاوى “ السياسية التي تباشر آلياتها العسكرية على الفور ممارسة الغزو والاحتلال وقتل الشعوب بذريعة الدفاع عن المصالح ، والحفاظ على الامن والسلم ، وبين الفتاوى الدينية التي تبيح اوتحث على مقاومة المحتل والمعتدي ، هو ان الاولى تصدر من قبل المعتدي بدافع تبرير الاحتلال او الهيمنة والاستغلال فيما تصدر الفتاوى الاخرى من جانب المعتدى عليهم للدفاع عن النفس ورد العدوان وطرد الاحتلال. وبمعيار الشرعية الانسانية والاخلاقية - دعك الآن من الشرعية الدينية - فإن استخدام سلاح الفتوى( اوالدعوة) يبدو امرا طبيعيا ومنطقيا يصعب رفضه او ادانته، ما دام انه 1- يأتي كرد فعل على العدوان 2- كوسيلة فاعلة للدفاع عن النفس 3- كحق طبيعي وانساني وأخلاقي لتحرير الاوطان وردع الظلم وقمع شهوة القتل والاهانة والاحتقار. لا اريد هنا ان اعلق على احدى الفتاوى الدينية التي ذهبت صاحبها الى حد تحريم مقاومة المحتلين الصهاينة بذريعة ان بعضهم من المسالمين ، فهذا لا يحتاج الى رد ، لانه يعبر - في تقديري - عن التباس في الفهم والتقدير ، لا عن سوء نية او قصد ، وبالتالي يمكن مناقشة صاحبه بالتي هي احسن ، لكن ثمة فريق من اصحاب الصوت العالي يرى ان كل الشرور التي حاقت بامتنا، وكل الاهانات التي توجه اليها خرجت من عباءة الفتاوى الدينية التي تحرض على المقاومة والجهاد، واننا كنا بخير قبل ان تصدر هذه الفتاوى، وبالتالي فان الجنوح الى السلم - لكي لا يقال الاستسلام-، والى الاعتدال والسماحة واللين هو الطريق الوحيد للخروح من المحنة والردّ الحصيف على ما نتعرض له من قتل وغزو واحتلال وانتهاك للحقوق والاعراض والكرامات. لا يعدم هؤلاء الذين يؤمنون بهذا المنطق ويروجون له، سواء اكانوا من ميليشيات الليبرالية او من طلائع الصحوة العلمانية او حتى من نجوم التدين المغشوش، الذرئع والتبريرات لتذكيرنا - بهدف التيئيس والتدليس لا غير- أن امتنا خرجت من التاريخ نهائيا، و أن الدين المقاوم اصبح عبئا ثقيلا لا مناص من التخلص منه، وأن مفاهمينا وقيمنا التي تدعو للتحرر وترفض القبول بالظلم لم تعد صالحة للاستخدام، اما “ وصفة العافية “ فجاهزة دائما لديهم، وهي التجرد نهائيا من “تركة” الماضي وشطب التاريخ من الذاكرة، والالتحاق -فورا- بركب العلمنة الحيادية(!)التي دالت حضارتها واستقر لها الامر والنهي بدون منازع. نشفق على هؤلاء من “اعوجاج” منطقهم، كما نشفق على الذين انتهت بهم ازمتهم السياسية والاخلاقية والعسكرية الى افتراض ان الانتصار على فتاوى المقاومة والجهاد وأصحابها هو الحل الاخير لاخراجهم من ازمتهم، وان تحرير الامة من علمائها “المقاومين” هو اقصر طريق للقبض على روح الكلمة المقاومة “والسكين” اليتيم ، كما انه ارخص ثمن يمكن ان تدفعه العصابات المحتلة التي توشك ان تشهر هزيمتها امام ارداة المظلومين وتصميمهم على المواجهة. ولأننا آخر من يستهوي القتل او يستسيغ مشهد الدماء او يدعو الى الخراب، فقد كنا نتمنى على الذين يحتشدون للتوقيع على مذكرات رفض الفتاوى الدينية التي حشرت فقط في زاوية التحريض على الارهاب، وعلى الاخرين الذين يحرضون على “تنقية” مناهجنا الدراسية من اية مضامين دينية يشتم منها رائحة المقاومة ، ان يدققوا بانصاف في موسم القتل هذا: من اين بدأ؟ وكيف تمدد فوق الجثث والمدن الآمنة؟ ومن اصدر مراسيمه وفتاواه؟ هل خرج من فوق المنابر والشاشات ام من سجون القمع والاحتلال ووزارات الدفاع وكنس المتدينين والحاخامات؟... كنا نتمنى ان تتوحد المعايير ومهادات المنطق فقط، فتدرج فتاوى السياسة التي خرجت من تحت عباءتها البارجات والصواريخ و الدعوات الالهية للحروب المقدسة والتبشير بالنصروالبراميل المتفجرة ، بفتاوى العلماء التي لم يجد المستهدفون من الضحايا والضعفاء غيرها، سواء كان بقصد الادانة والرفض او التفسير والفهم، لكن العلمنة الجديدة ومارينزها الاعلامي ومعهم “ الشبيحة” ومشايخ “السلم” لم يعودا قادرين على الصبر والاحتمال، او اخفاء الصمت والانحياز ، وحسنا فعلوا لتعرف امتنا من يقف هنا؟ ومن يقف هناك؟... وليدرك علماؤنا كم هو فعال هذا السلاح الذي بيدهم ، وكم ضروري ان يحفظوه من سوء التوظيف ومن الغش، وجهالة الادعياء والمستخدمين ايضا ؟. بصراحة ، في عصرالاحتلال الذي يجثم فوق اجسادنا وارواحنا في فلسطين تحديدا ، والحروب التي أشعلناها بأنفسنا ، نيابة عن الآخرين المتربصين بأمتنا ، تبدو فتاوى ودعاوى ( السلم ) والتعايش مع المحتلين والمستبدين ومصاصي الدماء – ايا كان مطلقيها - منزوعة من الدسم ، وأخشى ان اقول بأنها مغشوشة ، لا لانني اشكك في نوايا الذين يطلقونها ، هذا آخر ما يخطر الى بالي، ولكن لأنها تغمض عينها على الحقائق ، وتتنكب الطريق الذي يفضي الى السلم و السلامة ،وتنطلق في مناخات مسمومة جرى فيها بقصد او بدون قصد الجهر باسوأ انواع الاحتلال ،واشاعة الكراهية وسط المجتمعات ، وتقسيمها و تعميق خلافاتها ، والاخطر من ذلك ان الارضية التي يمكن (للسلم) الاهلي والدولي ان يقف عليها جرى تجريفها وزرعها بالالغام سواء تلك التي ( تفجرت) بين اتباع الاديان والحضارات او اتباع المذاهب و الطوائف و الدول ، اوالاخرى التي يتم الآن(تفخيخها) من خلال مصطلحات او مقررات او سياسات لا تفضي الا لمزيد من الصراعات والصدامات و العداوات.