قانون الانتخاب: هل "تخرب" كثرة الطباخين "الطبخة"
جهاد المنسي
جو 24 :
في الأنباء أن الحكومة أنهت مناقشة وإقرار مشروع قانون الانتخاب والنظام الانتخابي الذي يرافقه، وسيتم الإعلان عنه اليوم أو غدا بلسان رئيس الوزراء عون الخصاونة.
قصتنا هنا ليست فيما رشح من مواد مشروع القانون، وعدد المقاعد، وان كان سيرضي الأطياف السياسية أم لا، وإنما في قدرة هذا القانون "العتيد"، على خلق انطلاقة إصلاحية، استهلكنا الوقت طويلا ونحن نتحدث عنها.
فما يجري في الأردن منذ أكثر من عام يشعرنا وكأننا ندور في دوائر مغلقة، لا نريد الخروج منها، وان كل ما نريده هو كسب الوقت لا أكثر ولا أقل.
شاهدي على ذلك قانون الانتخاب الحالي، فهذا القانون، ومنذ عام تقريبا شكلنا لأجله لجنة حوار وطني، وأوكلنا لها مهمة خلق حالة حوار تشاركي مع أطياف المجتمع الفاعلة، وسلمنا زمامها لرئيس وزراء، حرص صاحب القرار أن يكون صاحب احترام وثقة سواد المجتمع، هو طاهر المصري.
اللجنة اجتمعت، اختلفت، ناقشت، انشقت، استمعت لآراء، غضبت، حرد بعضهم، عادوا للاجتماع، ولكنها، في نهاية الأمر، توافقت على شكل معين لقانون انتخاب مقترح، وكذا قانون أحزاب، وقدمت ديباجة تعتبر من أفضل ما قدم حتى الآن من قراءة للمشهد الداخلي.
بعد أن خرجت اللجنة بتوصياتها وآرائها، وقدمتها للرأي العام، فوجئت أن توصياتها ستبقى حبرا على ورق، وان الحكومة غير معنية بالأخذ بها، وهي (الحكومة) حرة في خياراتها.
بطبيعة الحال، كل ذلك استهلك وقتا، ثم جاءت الحكومة، وقدمت لنا رؤيتها الإصلاحية، وخطتها في تقديم قوانين الإصلاح لمجلس النواب، فكان نصيب قانون الانتخاب، انه آخر قانون يقدم للنواب، ضمن سلسلة القوانين الإصلاحية المتوافق عليها.
التزمت الحكومة بمواعيدها حول القوانين الناظمة للإصلاح، وعندما وصل الأمر لقانون الانتخاب، تأخرت في فتح حوار مع القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وبالتالي تأخرت في إرسال القانون للنواب.
المشكلة ليست في تأخر إرسال القانون للنواب، وإنما في تأخر الحكومة بفتح حوار حول مشروعها، ورفضها لأي منتج آخر، وتحديدا منتج لجنة الحوار الوطني.
ما الذي يضير حكومتنا، بداية، لو أنها بنت على ما أنتجته لجنة الحوار، وفتحت النقاش حوله، بدلا من دخولها في نقاش من الصفر، ثم ما يضير حكومتنا، وهي التي رفضت منتج لجنة الحوار الوطني مسبقا، لو أنها فتحت حوارا قبل أربعة أشهر مع كل الأطراف، بدلا من اللعب في الوقت الضائع، وفي الأمتار الأخيرة من شوط المواعيد التي قطعتها على نفسها.
ما هو واضح مما تسرب ويتسرب في كل لحظة أن الحكومة تعرضت لضغط متواصل من دوائر صنع القرار المختلفة، وهي وفقا لذلك وجدت نفسها مجبرة على تقديم تنازلات في رؤيتها، حتى تصل إلى منتصف الطريق مع تلك الدوائر، ويبدو أن ذلك ما تم أخيرا.
فالحكومة، التي كانت تميل في بداية الأمر إلى نظام انتخاب 1989 دون تحديد عدد المقاعد التي يحق لكل ناخب انتخابها، تنازلت عن رؤيتها، وباتت تتحدث عن صوتين للمحافظة، وصوت لقائمة الوطن، وفي هذا تنازل حكومي، ليس لمؤسسات المجتمع المدني والأحزاب، بقدر ما هو تنازل لدوائر صنع القرار في الدولة، التي كانت بصمتها واضحة في كل مرحلة من مراحل إقرار القانون "العتيد".
في النهاية، أخرجت الحكومة مشروع قانون الانتخاب، ومن المتوقع إرساله للنواب خلال 48 ساعة المقبلة، بيد أن ذلك لا يعني نهاية مشوار ماراثون الحوار، فمجلس النواب من المؤكد انه سيعاود فتح حوار حول المنتج، وهو حقه، ومن المؤكد انه سيقوم بإدخال تعديلات عليه، ربما تكون جوهرية، وتمس بنية مشروع القانون، وهذا حقه أيضا، مع الأخذ بعين الاعتبار، أن دوائر صنع القرار عينها، التي ساهمت في تراجع الحكومة عن رؤيتها، وأجبرتها على الوصول إلى منتصف الطريق معها، سيكون باعها أطول من باع الحكومة عند النواب، وبالتالي يمكن لها أن تستكمل ما بدأته مع الحكومة تحت القبة، من خلال النواب!
بعد انتهاء النواب من القانون، سيذهب إلى الأعيان، وهؤلاء لهم الحق الكامل أيضا في فتح حوار مع كل الأطياف حوله، وبالتالي فإن هذا القانون سيكون قد مر بأربع مراحل حوار، بدأت بلجنة الحوار الوطني، ويمكن أن تنتهي بمجلس الأعيان، الذي يترأسه رئيس لجنة الحوار طاهر المصري.
هذا يعني أن "طبخة" قانون الانتخاب ساهم فيها عدد كبير من الطباخين، الأمر الذي يخوفنا من إمكانية "خراب" الطبخة وحرقها، وبالتالي خروج قانون مشوه.
ولذا فإن السيناريو، الذي تتحدث عنه شخصيات مؤثرة في دائرة صنع القرار بشأن إعلان حالة الطوارئ لمدة أسبوع أو خمسة أيام، يتم فيها حل مجلس النواب، وإصدار قانون انتخاب بشكل مؤقت، ربما سيكون خيارا مطروحا عند صاحب الأمر، بخاصة إذا لمس أن مجلس النواب يريد إضاعة الوقت وشراءه فقط، وتشويه ما تم التوافق عليه (إن كان هذا التوافق مرضي لكل دوائر صنع القرار) بشأن قانون الانتخاب.
الغد
في الأنباء أن الحكومة أنهت مناقشة وإقرار مشروع قانون الانتخاب والنظام الانتخابي الذي يرافقه، وسيتم الإعلان عنه اليوم أو غدا بلسان رئيس الوزراء عون الخصاونة.
قصتنا هنا ليست فيما رشح من مواد مشروع القانون، وعدد المقاعد، وان كان سيرضي الأطياف السياسية أم لا، وإنما في قدرة هذا القانون "العتيد"، على خلق انطلاقة إصلاحية، استهلكنا الوقت طويلا ونحن نتحدث عنها.
فما يجري في الأردن منذ أكثر من عام يشعرنا وكأننا ندور في دوائر مغلقة، لا نريد الخروج منها، وان كل ما نريده هو كسب الوقت لا أكثر ولا أقل.
شاهدي على ذلك قانون الانتخاب الحالي، فهذا القانون، ومنذ عام تقريبا شكلنا لأجله لجنة حوار وطني، وأوكلنا لها مهمة خلق حالة حوار تشاركي مع أطياف المجتمع الفاعلة، وسلمنا زمامها لرئيس وزراء، حرص صاحب القرار أن يكون صاحب احترام وثقة سواد المجتمع، هو طاهر المصري.
اللجنة اجتمعت، اختلفت، ناقشت، انشقت، استمعت لآراء، غضبت، حرد بعضهم، عادوا للاجتماع، ولكنها، في نهاية الأمر، توافقت على شكل معين لقانون انتخاب مقترح، وكذا قانون أحزاب، وقدمت ديباجة تعتبر من أفضل ما قدم حتى الآن من قراءة للمشهد الداخلي.
بعد أن خرجت اللجنة بتوصياتها وآرائها، وقدمتها للرأي العام، فوجئت أن توصياتها ستبقى حبرا على ورق، وان الحكومة غير معنية بالأخذ بها، وهي (الحكومة) حرة في خياراتها.
بطبيعة الحال، كل ذلك استهلك وقتا، ثم جاءت الحكومة، وقدمت لنا رؤيتها الإصلاحية، وخطتها في تقديم قوانين الإصلاح لمجلس النواب، فكان نصيب قانون الانتخاب، انه آخر قانون يقدم للنواب، ضمن سلسلة القوانين الإصلاحية المتوافق عليها.
التزمت الحكومة بمواعيدها حول القوانين الناظمة للإصلاح، وعندما وصل الأمر لقانون الانتخاب، تأخرت في فتح حوار مع القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وبالتالي تأخرت في إرسال القانون للنواب.
المشكلة ليست في تأخر إرسال القانون للنواب، وإنما في تأخر الحكومة بفتح حوار حول مشروعها، ورفضها لأي منتج آخر، وتحديدا منتج لجنة الحوار الوطني.
ما الذي يضير حكومتنا، بداية، لو أنها بنت على ما أنتجته لجنة الحوار، وفتحت النقاش حوله، بدلا من دخولها في نقاش من الصفر، ثم ما يضير حكومتنا، وهي التي رفضت منتج لجنة الحوار الوطني مسبقا، لو أنها فتحت حوارا قبل أربعة أشهر مع كل الأطراف، بدلا من اللعب في الوقت الضائع، وفي الأمتار الأخيرة من شوط المواعيد التي قطعتها على نفسها.
ما هو واضح مما تسرب ويتسرب في كل لحظة أن الحكومة تعرضت لضغط متواصل من دوائر صنع القرار المختلفة، وهي وفقا لذلك وجدت نفسها مجبرة على تقديم تنازلات في رؤيتها، حتى تصل إلى منتصف الطريق مع تلك الدوائر، ويبدو أن ذلك ما تم أخيرا.
فالحكومة، التي كانت تميل في بداية الأمر إلى نظام انتخاب 1989 دون تحديد عدد المقاعد التي يحق لكل ناخب انتخابها، تنازلت عن رؤيتها، وباتت تتحدث عن صوتين للمحافظة، وصوت لقائمة الوطن، وفي هذا تنازل حكومي، ليس لمؤسسات المجتمع المدني والأحزاب، بقدر ما هو تنازل لدوائر صنع القرار في الدولة، التي كانت بصمتها واضحة في كل مرحلة من مراحل إقرار القانون "العتيد".
في النهاية، أخرجت الحكومة مشروع قانون الانتخاب، ومن المتوقع إرساله للنواب خلال 48 ساعة المقبلة، بيد أن ذلك لا يعني نهاية مشوار ماراثون الحوار، فمجلس النواب من المؤكد انه سيعاود فتح حوار حول المنتج، وهو حقه، ومن المؤكد انه سيقوم بإدخال تعديلات عليه، ربما تكون جوهرية، وتمس بنية مشروع القانون، وهذا حقه أيضا، مع الأخذ بعين الاعتبار، أن دوائر صنع القرار عينها، التي ساهمت في تراجع الحكومة عن رؤيتها، وأجبرتها على الوصول إلى منتصف الطريق معها، سيكون باعها أطول من باع الحكومة عند النواب، وبالتالي يمكن لها أن تستكمل ما بدأته مع الحكومة تحت القبة، من خلال النواب!
بعد انتهاء النواب من القانون، سيذهب إلى الأعيان، وهؤلاء لهم الحق الكامل أيضا في فتح حوار مع كل الأطياف حوله، وبالتالي فإن هذا القانون سيكون قد مر بأربع مراحل حوار، بدأت بلجنة الحوار الوطني، ويمكن أن تنتهي بمجلس الأعيان، الذي يترأسه رئيس لجنة الحوار طاهر المصري.
هذا يعني أن "طبخة" قانون الانتخاب ساهم فيها عدد كبير من الطباخين، الأمر الذي يخوفنا من إمكانية "خراب" الطبخة وحرقها، وبالتالي خروج قانون مشوه.
ولذا فإن السيناريو، الذي تتحدث عنه شخصيات مؤثرة في دائرة صنع القرار بشأن إعلان حالة الطوارئ لمدة أسبوع أو خمسة أيام، يتم فيها حل مجلس النواب، وإصدار قانون انتخاب بشكل مؤقت، ربما سيكون خيارا مطروحا عند صاحب الأمر، بخاصة إذا لمس أن مجلس النواب يريد إضاعة الوقت وشراءه فقط، وتشويه ما تم التوافق عليه (إن كان هذا التوافق مرضي لكل دوائر صنع القرار) بشأن قانون الانتخاب.
الغد