رؤية المعشر الإصلاحية..
جهاد المنسي
جو 24 : أصاب نائب رئيس الوزراء الأسبق، د.مروان المعشر، كبد الحقيقة في مقالته المنشورة في "الغد" يوم الأحد الماضي بعنوان "هل نواصل الاستمرار بتجاهل البديهيات؟". إذ تحدث عن آلية وطريقة الوصول إلى الإصلاح المنشود، والمعيقات التي وقفت وتقف حائلا دون ذلك.
شخّص المعشر الحالة الأردنية بواقعها الصحيح، ووضع نقاطا عدة فوق حروف إصلاحنا المنشود، منوها في الوقت عينه إلى وجود "مسؤولين" يتحدثون عن الإصلاح بدون الإيمان به، بل وربما يعملون على إدامة الحالة الأردنية القائمة؛ بمراوحتها في مربع الإصلاح أكبر قدر ممكن، لأنهم المستفيدون من هذا الأمر.
نعم، فعندما نبقى ندور حول الهدف بدون أن نصيبه، نكون بحاجة إلى وقفة تأمل جادة؛ وعندما نراوح مكاننا في إنتاج نفس المنتج القديم، نكون كمن يشتري الوقت، بدون استغلاله.
الأردن يستحق منا جميعا الإسراع في تلمس الخلل، والتقدم إلى الأمام، من خلال تحديد هدفنا بوضوح وشفافية، بدون حسابات مناطقية وجغرافية وفرعية، وبدون الاعتماد على المراوغة وسياسة "مكانك سر". فالوقت مهم، ولا يجوز الارتهان إلى نتائج أحداث هنا أو هناك، أو ملل يصيب هذا الطرف أو ذاك. ومن ينصح بذلك، لا يقر بسيرورة التاريخ، ولا جدلية المرحلة، ولا تغيرها.
لا يمكن تحقيق الإصلاح بدون اتفاقنا على أن دولة المؤسسات والقانون، وتعزيز قيم المواطنة، هما الأساس الذي يجب الانطلاق منه، وبالتالي الاتفاق على ترك كل الهويات الأخرى التي لا تجدي نفعا، ولا نستفيد منها سوى في الدوران حول أنفسنا بدون فعل شيء، وابتكار أساليب وآليات عفا عليها الزمن وباتت بالية.
كما علينا الإقرار أن من أبرز عناوين الإصلاح قانون الانتخاب، الذي سبق أن شكلنا له لجانا ولجانا وحوارات واجتماعات، بدون أن نأخذ بتوصية أي منها، إذ تركنا تلك التوصيات على الرف، ما وضع علامات سؤال أكثر حول جديتنا في الإصلاح!
والمفارقة أن جميع تلك اللجان خرجت بتصورات واضحة ومحددة، وقدمتها للمسؤولين. والمعشر نفسه كان رئيس لجنة الأجندة الوطنية التي قدمت تصورا حول قانون الانتخاب، ثم جاءت لجنة الحوار الوطني وقدمت بدورها تصورا للقانون، ثم جاءت حكومة عون الخصاونة وقدمت أيضا تصورا آخر. ورغم أن جميع تلك اللجان كانت تخرج من رحم الدولة، وسواد شخصياتها طالما خدموا فيها وتبوأوا مواقع قيادية؛ وهم محسوبون عليها لا على المعارضة، إلا أننا تركنا المنتج ولم نلتفت إليه.
وللتذكير فقط، فإن اللجان المشار إليها خرجت بتصورات مختلفة لقانون الانتخاب المقبل، ولكنها أجمعت على مغادرة مربع الصوت الواحد نهائيا، لما له من سلبيات أثرت علينا سياسيا واقتصاديا ومجتمعيا، وعملت على انحدار مستوى الثقة الشعبية بمجالس النواب المتعاقبة.
لذلك، فإن من نافلة القول الإشارة إلى أن إعادة الحديث عن إحياء فكرة الصوت الواحد في قانون الانتخاب، إنما يعيدنا إلى مربع أولئك المسؤولين الذين يتحدثون عن الإصلاح كثيرا، ويعملون في السر على إجهاضه، وبما يجعلنا أشبه بمن يحرث في الماء بلا هدف.
سؤالنا البسيط لكل من يعمل على بقائنا في المربع عينه: لماذا نريد لدولتنا أن تبقى مسكونة بتوزيع الحصص والمقاعد النيابية وتقاسمها بين المحافظات بدون أن نهيئ برلمانا بعيدا عن المحاصصة والتبعية للسلطة التنفيذية؟
دعونا نخرج من عقلية الجغرافيا والديمغرافيا، وننطلق لبناء دولة إصلاحية تقوم في أساسها على سيادة القانون والمواطنة بعيدا عن الهويات الفرعية.
أيها السادة: دعونا نخرج من مربع الصوت الواحد إلى فضاء أوسع وأرحب، يؤمّن لنا الوصول مستقبلا إلى حكومات نيابية تمثل قوى المجتمع الحية؛ حكومات مسؤولة أمام الشعب، ولها سلطة اتخاذ القرار؛ حكومات لا يقف رئيسها عند تكليفه في حيرة من أمره وهو يستعرض محافظات المملكة، وفي ذهنه ضرورة تمثيلها جميعاً.
ما يدور حاليا في دهاليز مجلس النواب الذي يتعين عليه إقرار قانون الانتخاب، المقرر أن تجرى بموجبه الانتخابات المقبلة، لا يبشر بإصلاح حقيقي جاد؛ فالبحث عن طريقة لإعادة إنتاج الصوت الواحد كفيل بإعادتنا إلى المربع الأول، والبحث عن أنجع الوسائل لإبعاد هذا الطرف أو ذاك لا يستقيم في ظل الإصلاح. كما أن التشريع تحت ضغط حساب التمثيل الديمغرافي، وتأمين تمثيل كل محافظة ولواء وقرية وحارة ومخيم، سينتج لنا برلمانا مشوها مرهونا وتابعا لقوى أكثر منه تأثيرا.
ما سبق ليس إصلاحا، ولا ينقلنا إلى دولتنا الحديثة التي نريد، ولا يؤمن لنا انتخاب مجلس نيابي قوي تفاعلي تشاركي مستقل برأيه، بعيد عن الهيمنة والتبعية لأي طرف من الأطراف.
المرحلة لا تحتاج إلى إعادة اجترار شخصيات وأفكار لفظها المجتمع، وإنما نحن بحاجة إلى قفزة تقنع الجميع بجدية المسعى والهدف، ونؤمن وصولنا إلى بداية طريق الإصلاح، فهل نفعل؟!
الغد
شخّص المعشر الحالة الأردنية بواقعها الصحيح، ووضع نقاطا عدة فوق حروف إصلاحنا المنشود، منوها في الوقت عينه إلى وجود "مسؤولين" يتحدثون عن الإصلاح بدون الإيمان به، بل وربما يعملون على إدامة الحالة الأردنية القائمة؛ بمراوحتها في مربع الإصلاح أكبر قدر ممكن، لأنهم المستفيدون من هذا الأمر.
نعم، فعندما نبقى ندور حول الهدف بدون أن نصيبه، نكون بحاجة إلى وقفة تأمل جادة؛ وعندما نراوح مكاننا في إنتاج نفس المنتج القديم، نكون كمن يشتري الوقت، بدون استغلاله.
الأردن يستحق منا جميعا الإسراع في تلمس الخلل، والتقدم إلى الأمام، من خلال تحديد هدفنا بوضوح وشفافية، بدون حسابات مناطقية وجغرافية وفرعية، وبدون الاعتماد على المراوغة وسياسة "مكانك سر". فالوقت مهم، ولا يجوز الارتهان إلى نتائج أحداث هنا أو هناك، أو ملل يصيب هذا الطرف أو ذاك. ومن ينصح بذلك، لا يقر بسيرورة التاريخ، ولا جدلية المرحلة، ولا تغيرها.
لا يمكن تحقيق الإصلاح بدون اتفاقنا على أن دولة المؤسسات والقانون، وتعزيز قيم المواطنة، هما الأساس الذي يجب الانطلاق منه، وبالتالي الاتفاق على ترك كل الهويات الأخرى التي لا تجدي نفعا، ولا نستفيد منها سوى في الدوران حول أنفسنا بدون فعل شيء، وابتكار أساليب وآليات عفا عليها الزمن وباتت بالية.
كما علينا الإقرار أن من أبرز عناوين الإصلاح قانون الانتخاب، الذي سبق أن شكلنا له لجانا ولجانا وحوارات واجتماعات، بدون أن نأخذ بتوصية أي منها، إذ تركنا تلك التوصيات على الرف، ما وضع علامات سؤال أكثر حول جديتنا في الإصلاح!
والمفارقة أن جميع تلك اللجان خرجت بتصورات واضحة ومحددة، وقدمتها للمسؤولين. والمعشر نفسه كان رئيس لجنة الأجندة الوطنية التي قدمت تصورا حول قانون الانتخاب، ثم جاءت لجنة الحوار الوطني وقدمت بدورها تصورا للقانون، ثم جاءت حكومة عون الخصاونة وقدمت أيضا تصورا آخر. ورغم أن جميع تلك اللجان كانت تخرج من رحم الدولة، وسواد شخصياتها طالما خدموا فيها وتبوأوا مواقع قيادية؛ وهم محسوبون عليها لا على المعارضة، إلا أننا تركنا المنتج ولم نلتفت إليه.
وللتذكير فقط، فإن اللجان المشار إليها خرجت بتصورات مختلفة لقانون الانتخاب المقبل، ولكنها أجمعت على مغادرة مربع الصوت الواحد نهائيا، لما له من سلبيات أثرت علينا سياسيا واقتصاديا ومجتمعيا، وعملت على انحدار مستوى الثقة الشعبية بمجالس النواب المتعاقبة.
لذلك، فإن من نافلة القول الإشارة إلى أن إعادة الحديث عن إحياء فكرة الصوت الواحد في قانون الانتخاب، إنما يعيدنا إلى مربع أولئك المسؤولين الذين يتحدثون عن الإصلاح كثيرا، ويعملون في السر على إجهاضه، وبما يجعلنا أشبه بمن يحرث في الماء بلا هدف.
سؤالنا البسيط لكل من يعمل على بقائنا في المربع عينه: لماذا نريد لدولتنا أن تبقى مسكونة بتوزيع الحصص والمقاعد النيابية وتقاسمها بين المحافظات بدون أن نهيئ برلمانا بعيدا عن المحاصصة والتبعية للسلطة التنفيذية؟
دعونا نخرج من عقلية الجغرافيا والديمغرافيا، وننطلق لبناء دولة إصلاحية تقوم في أساسها على سيادة القانون والمواطنة بعيدا عن الهويات الفرعية.
أيها السادة: دعونا نخرج من مربع الصوت الواحد إلى فضاء أوسع وأرحب، يؤمّن لنا الوصول مستقبلا إلى حكومات نيابية تمثل قوى المجتمع الحية؛ حكومات مسؤولة أمام الشعب، ولها سلطة اتخاذ القرار؛ حكومات لا يقف رئيسها عند تكليفه في حيرة من أمره وهو يستعرض محافظات المملكة، وفي ذهنه ضرورة تمثيلها جميعاً.
ما يدور حاليا في دهاليز مجلس النواب الذي يتعين عليه إقرار قانون الانتخاب، المقرر أن تجرى بموجبه الانتخابات المقبلة، لا يبشر بإصلاح حقيقي جاد؛ فالبحث عن طريقة لإعادة إنتاج الصوت الواحد كفيل بإعادتنا إلى المربع الأول، والبحث عن أنجع الوسائل لإبعاد هذا الطرف أو ذاك لا يستقيم في ظل الإصلاح. كما أن التشريع تحت ضغط حساب التمثيل الديمغرافي، وتأمين تمثيل كل محافظة ولواء وقرية وحارة ومخيم، سينتج لنا برلمانا مشوها مرهونا وتابعا لقوى أكثر منه تأثيرا.
ما سبق ليس إصلاحا، ولا ينقلنا إلى دولتنا الحديثة التي نريد، ولا يؤمن لنا انتخاب مجلس نيابي قوي تفاعلي تشاركي مستقل برأيه، بعيد عن الهيمنة والتبعية لأي طرف من الأطراف.
المرحلة لا تحتاج إلى إعادة اجترار شخصيات وأفكار لفظها المجتمع، وإنما نحن بحاجة إلى قفزة تقنع الجميع بجدية المسعى والهدف، ونؤمن وصولنا إلى بداية طريق الإصلاح، فهل نفعل؟!
الغد