2024-12-25 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

دعونـا نجـرب، لن نخســر شـيئـا..!

حسين الرواشدة
جو 24 : ما الذي يمنع ان نعبّر عن تضامننا مع “الفرنسيين” الذين سقطوا على يد الارهابيين في شوارع باريس..؟
هذا السؤال الحّ علي كثيرا وانا اتابع على مدى الايام المنصرفة ما حفلت به وسائل اعلامنا المختلفة من تعليقات تراوحت بين الصمت والادانات الخجولة او الشماتة مما حدث والتذكير بصدامات الماضي وجراحاته وما فعله “الاستعمار” الفرنسي بنا منذ عقود طويلة، قلت: لماذا لا تتحرك ضمائرنا الانسانية فتفرز افضل ما لدينا من قيم ومشاعر، وتبعث برسالة واضحة لشعوب العالم ( دعك من حكوماته)، وليس للفرنسيين وحدهم، بأننا مثلهم تماما، ضد العنف والارهاب، بل واننا قبلهم ضحاياه واكثر المبتلين به..؟
افهم بالطبع ما يمكن ان يقوله البعض حول دور الغرب في “كوارثنا “ وحروبنا وضحايانا، وحول احزاننا المقيمة والمزمنة التي لا يشاركنا فيها الا القليليون في العالم، واقدر ايضا ما يمكن ان يقال حول انشغالنا بهمومنا ومشكلاتنا، لكن هذا لا يمنع ابدا من ان نخرج من الصندوق الذي وضعنا انفسنا فيه، اعني صندوق الاحساس باننا ضحايا لا حول لنا ولا قوة، وان العالم لا يستحق منا ان نشاركه في قضاياه وهمومه، وان قصارى ما يمكن ان نفعله هو “الثأر” لانفسنا منهم . ارجو ان نتجاوز هذا الاحساس بالمحنة وان نبحث في فضائنا الانساني عن جوامع مشتركة تعيد الينا الاحساس بالثقة بانفسنا وبالاخرين ايضا، فالأمة التي تعيش في “عزلتها” تحكم على نفسها بالموت.
ليس مطلوبا منا ان نعتذر لهم، فنحن كما قلت سابقا لسنا شركاء في الجريمة، ولا مسؤولين عنها، لكن اذا استطعنا ان نطوي صفحة الماضي الغابر بما فيه من آلام وفضائع والحاضر بما فيه من جرائم وهواجس( بالمناسبة هذه الشعوب ليست مسؤولة عنه) فان ثمة سؤالين ما زلت مشغولا بالاجابة عنهما، الاول : كيف يمكن ان نساند هذه الشعوب التي وقفت الى جانبنا في مرات كثيرة وكيف نتضامن معهم، وقبل ذلك الا يستحقون ان نعبر لهم عن عميق الاحترام وبالغ التقدير ونرد التحية عليهم بأحسن منها، اما السؤال الثاني فهو : لماذا قصَّرنا في ذلك ؟ هل ما زلنا نتصور مثلا ان الاخرين –كلهم - مهما اختلفت اديانهم او جنسياتهم مجرد شياطين وان “ملة الكفر واحدة” ثم نتصور ان من واجبهم ان يدافعوا عنا باعتبار ان الأمم الاخرى مسخرة لخدمتنا ، ومدعوة للتقدم والعمل بالنيابة عنا، ومطلوب منها ان تصغي الينا ، وتتنازل عن “معتقداتها” لصالحنا ، أم أننا ما نزال نشك في مواقفهم ونعتبرها احيانا محاولة لتزيين صورة سياسات الغرب المنحازة ضدنا أو أنها ربما تعبير عن تأنيب الضمير او مجرد عملية تقاسم أدوار لا أكثر ولا أقل.
ثم،مهما تكن الإجابة، ألا يفترض أن تدفعنا مواقفهم الانسانية التي عبروا عنها مرارا ( آخرها موقفهم من مقاطعة جامعات الاحتلال وبضائع المستوطنين وقبلها من الحرب على العراق وغزة...الخ)لكي ننظر بعيون أخرى للانسانية التي لا تخلو من خير، والى حقيقة المجتمعات الحية التي لا تنجر وراء ما تصدره حكوماتها من مقررات ظالمة، أو ممارسات تنتهك حقوق الإنسان، أي إنسان؟؟ اليس من واجبنا ان نقول : شكرا لنظرائنا في الخلق والانسانية الذين غضبوا احيانا لاجلنا واحيانا بالنيابة عنا، ورفعوا اصواتهم للدفاع عن صورتنا والمطالبة ببعض حقوق المظلومين في بلادنا..
قبل وقت طويل مضى ( ايار/ 2010) تساءلت في هذه الزاوية : ما الذي يدفع المواطن الايرلندي او البلجيكي او السويدي او غيرهم من مواطني نحو 60 دولة في العالم الى “المغامرة” في البحر لكسر الحصار عن اهل غزة مثلا؟. هل هو باعث “الهوية”؟ واي هوية هذه التي تجمع العربي بالأمريكي والأفريقي والتركي والاوروبي؟ وتجمع المسلم بالمسيحي واليهودي والهندوسي والبوذي؟ هل هو باعث “صحوة الضمير”؟ هل اخطأ هؤلاء بحقنا حتى شعروا بالذنب الذي ارتكبته حكوماتهم وكفروا عنه “بالزيارة” المحفوفة بالمخاطر؟
ما كان لي بالطبع ان اطرح مثل هذه الاسئلة لو كانت “امتنا” تتمتع بعافيتها، فقد استطاعت وقتذاك ان تستوعب الآخرين على اختلاف اجناسهم وهوياتهم واديانهم لتجعل منهم فيما بعد طاقة “لحضارتها”، لكن حالة الضعف التي اصابتها فتحت امامنا ابواب هذه الاسئلة وأغرتني على تداولها.
الان لا بأس، لم يفت الوقت لكي نفعل شيئا ولو كان رمزيا، خذ مثلا مسيرة تبادر اليها احزابنا ومؤسسات المجتمع المدني، تجوب شوارعنا وتعبّر عن رفضنا لاستهداف المدنيين، خذ ايضا مبادرة من بعض الشخصيات الدينية لزيارة فرنسا والتضامن مع الضحايا ورفض الارهاب مهما كانت مصادره، تصور ايضا لو ان حزب جبهة العمل الاسلامي او غيره من الاحزاب الاردنية اقام وقفة لمدة نصف ساعة امام السفارة الفرنسية في عمان للاحتجاج على العمليات الارهابية والتضامن مع الشعب الفرنسي، هل نعجز عن ذلك او نخجل منه، ام ان الرسالة ستعبر عن افضل ما لدينا من قيم ومشاعر، كما ان صداها لدى العالم سيعكس صورتنا ويعزز مواقف شعوب العالم حيال قضايانا ايضا..؟
دعونا نجرب، ولن نخسر شيئا..

الدستور
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير