2024-11-05 - الثلاثاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

هل لدى مجتمعنا “قابلية” للانقسام..؟!

حسين الرواشدة
جو 24 : حادثة اسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا كانت كافية لفحص قدرتنا على التوافق و الانسجام , لكي لا اقول على قياس درجة “ العقلانية “ لدى نخبنا السياسية اولا , و مجتمعنا ثانيا .

الصورة كما نقلتها وسائل التواصل الاجتماعي , كانت بائسة بامتياز , فقد جاءت ردود الافعال في اتجاهين متناقضين : احدها التعامل مع الحدث بمنطق الشماتة والكراهية والاستهزاء تجاه تركيا , و بعيدا عن لغة التحليل السياسي و الفهم العميق للخطوة التركية اغتنم هؤلاء الفرصة للتحريض ضد اردوغان , و الترويج لفكرة “ خريف السلطان “ كما انهم ذهبوا بعيدا فاحتفوا بردود الافعال الروسية ضد تركيا, اما الطرف الاخر فقد تقمص “ الانجاز “ التركي , و بالغ في تصويره انتصارا للامة كلها , و لم يخف حنينه “ للزمن “ العثماني و تجربة الخلافة , و كأن ما فعلته تركيا هو دفاع عن “ العرب”: هؤلاء الايتام الذين اصبحوا يبحثون عن “ ابّ “ اي “ ابّ “ لكي ينتسبوا اليه و يفتخروا به .

بمقدار ما عبرت الصورة عند انقسام و انشطار في “ وعي “ قادة المجتمع و قواعده التي خضعت لسطوة “ الاعلام “ فانها كشفت ايضا ما حصل من انقلابات في قيمنا و اخلاقياتنا العامة , و من ضحالة في تفكير البعض تجاه ما تتعرض له منطقتنا من “ انفجارات “ و تحولات , كما انها وضعتنا امام حقيقة ما اصاب مجتمعاتنا العربية الاسلامية التي كانت – حتى وقت قريب – تحتفظ بالحد الادنى من القواسم و المشتركات , فاذا بها تخضع لمنطق “ الانقسام “ و الكراهية , بل ان بعضنا اليوم بات يفضل الاستعمار , و يتمنى لو عاد الى بلادنا ,و يعتقد ان التحالف مع روسيا مثلا افضل من التحالف مع تركيا , او ان الانحياز للآخر سواء اكان الامريكي او الغربي او الروسي وحتى الاسرائيلي هو طريقنا للخلاص .

كانت السنوات الاربعة الماضية بالنسبة لمجتمعاتنا العربية “ كاشفة “ عن حجم الفساد الذي اصاب العقل العربي , و الفساد هنا لا يتعلق بالسلطة و الانظمة السياسية فقط و انما ايضا بالتفكير و مناهجه , و بالمثقفين و خياراتهم الانتهازية , و بالاعلام ورسائله المغشوشة , و حين نقول “ كاشفة “ فاننا نعتقد بان هذا الفساد كان موجودا و متراكما كما ان قابلية مجتمعاتنا له كانت متوفرة , لكن لم نكن نتصور ابدا ان الفساد وصل الى “ الضمير “ الانساني داخلنا , فلم نعد نهتز او نشعر بآلامنا و مصائبنا , او نتحرك لادانة ما يجري من قتل ضد الانسان , اي انسان , فكيف اذا كان يشاركنا في الدم العربي و الهوية الاسلامية الجامعة .

ايضا , لم اكن اتصور ان مجتمعنا الذي كان نموذجا في وقت مضى للتوافق و الوئام و الاعتزاز “ بالاسرة الواحدة “ سيتحول بهذه السرعة الى مجتمع للشماتة و الانقسام و الكراهية , او انه سيخضع لمنطق “ انا و عدوي على القريب “ , ذلك ان لغة الحسابات الرياضية ( دعك من الدينية و الحضارية الانسانية ) كان يفترض ان تحركنا اولا اتجاه الانتصار لمبدأ رفع الظلم عن الشعوب المقهورة , لا الانحياز للانظمة القاتلة , و ان تحركنا ثانيا للوقوف الى جانب من نتقاسم معهم “ الجيرة “ , و المصالح المشتركة مثل تركيا , لا الاخرين الذين هيمنوا على بلداننا , ووقفوا ضد قضايانا ,وجاءوا الى بلداننا على مركب “ المستعمر “ الغريب لا على مركب “ الصديق “ الذي يريد ان يساعد فقط .

المشكلة هنا ان مجتمعنا لم يعد قادرا على “ الفرز “ بين العدو و الصديق , فقد تغيرت اولوياته كما تغيرت تصوراته لمصادر الاخطار و هوية الاعداء الذين يتربصون به , و الاخطر ان “ قابلية” الانقسام لديه على اية قضية, تهمه او لا تهمه، اصبحت مسألة واردة , و لنا ان نتصور لو ان مجتمعنا مثلا تعرض لحدث كبير – لا سمح الله – كيف يمكن ان نتعامل معه في ضوء هذا الانقسام ,و كيف يمكن ان نتوحد لمواجهته في ظل تراجع الثقة فيما بيننا و انكشاف “ اجنداتنا” و شيوع الكراهية بيننا .

ذكرت اكثر من مرة ان الناس حين يتكلمون “ بالقضية “ , خاصة اذا كانت تمثل حدثا كبيرا وهاما , فانهم يفرزون ما لديهم من “ خبرات “ و طاقات , سلبية اكانت او ايجابية , و اذا ما دققنا في الكلام الذي نتداوله بعد كل كارثة , و في صورة انقسام مجتمعنا فان النتيجة تبدو كارثية بامتياز , ارجو ان لا يذكرني احد هنا ببعض الاحداث التي “جمعتنا” ووحدتنا , فلدينا نماذج اخرى لاحداث عصفت بنا فيما مضى , ولابد ان نستحضرها دائما ، خاصة ونحن نرى امامنا كيف تغيرت المجتمعات حولنا , و كيف خرجت “ قرود “ الطائفية و المذهبية و الكراهية من كل اتجاه في هذه المنطقة . وان كنا لسنا استثناء , فمن واجبنا ان ننتبه لخطورة ما لدينا من قابلية لمواجهة بعضنا , و شيطنة انفسنا , و تراجع اخلاقيات الخصومة فيما بيننا , ووجنوحنا الى اقصاء من يخالفنا و طرده من الملة الوطنية و الدينية و الانسانية لمجرد ان له رأيا اخر ..


(الدستور)
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير