هل لدى مجتمعنا “قابلية” للانقسام..؟!
حسين الرواشدة
جو 24 : حادثة اسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا كانت كافية لفحص قدرتنا على التوافق و الانسجام , لكي لا اقول على قياس درجة “ العقلانية “ لدى نخبنا السياسية اولا , و مجتمعنا ثانيا .
الصورة كما نقلتها وسائل التواصل الاجتماعي , كانت بائسة بامتياز , فقد جاءت ردود الافعال في اتجاهين متناقضين : احدها التعامل مع الحدث بمنطق الشماتة والكراهية والاستهزاء تجاه تركيا , و بعيدا عن لغة التحليل السياسي و الفهم العميق للخطوة التركية اغتنم هؤلاء الفرصة للتحريض ضد اردوغان , و الترويج لفكرة “ خريف السلطان “ كما انهم ذهبوا بعيدا فاحتفوا بردود الافعال الروسية ضد تركيا, اما الطرف الاخر فقد تقمص “ الانجاز “ التركي , و بالغ في تصويره انتصارا للامة كلها , و لم يخف حنينه “ للزمن “ العثماني و تجربة الخلافة , و كأن ما فعلته تركيا هو دفاع عن “ العرب”: هؤلاء الايتام الذين اصبحوا يبحثون عن “ ابّ “ اي “ ابّ “ لكي ينتسبوا اليه و يفتخروا به .
بمقدار ما عبرت الصورة عند انقسام و انشطار في “ وعي “ قادة المجتمع و قواعده التي خضعت لسطوة “ الاعلام “ فانها كشفت ايضا ما حصل من انقلابات في قيمنا و اخلاقياتنا العامة , و من ضحالة في تفكير البعض تجاه ما تتعرض له منطقتنا من “ انفجارات “ و تحولات , كما انها وضعتنا امام حقيقة ما اصاب مجتمعاتنا العربية الاسلامية التي كانت – حتى وقت قريب – تحتفظ بالحد الادنى من القواسم و المشتركات , فاذا بها تخضع لمنطق “ الانقسام “ و الكراهية , بل ان بعضنا اليوم بات يفضل الاستعمار , و يتمنى لو عاد الى بلادنا ,و يعتقد ان التحالف مع روسيا مثلا افضل من التحالف مع تركيا , او ان الانحياز للآخر سواء اكان الامريكي او الغربي او الروسي وحتى الاسرائيلي هو طريقنا للخلاص .
كانت السنوات الاربعة الماضية بالنسبة لمجتمعاتنا العربية “ كاشفة “ عن حجم الفساد الذي اصاب العقل العربي , و الفساد هنا لا يتعلق بالسلطة و الانظمة السياسية فقط و انما ايضا بالتفكير و مناهجه , و بالمثقفين و خياراتهم الانتهازية , و بالاعلام ورسائله المغشوشة , و حين نقول “ كاشفة “ فاننا نعتقد بان هذا الفساد كان موجودا و متراكما كما ان قابلية مجتمعاتنا له كانت متوفرة , لكن لم نكن نتصور ابدا ان الفساد وصل الى “ الضمير “ الانساني داخلنا , فلم نعد نهتز او نشعر بآلامنا و مصائبنا , او نتحرك لادانة ما يجري من قتل ضد الانسان , اي انسان , فكيف اذا كان يشاركنا في الدم العربي و الهوية الاسلامية الجامعة .
ايضا , لم اكن اتصور ان مجتمعنا الذي كان نموذجا في وقت مضى للتوافق و الوئام و الاعتزاز “ بالاسرة الواحدة “ سيتحول بهذه السرعة الى مجتمع للشماتة و الانقسام و الكراهية , او انه سيخضع لمنطق “ انا و عدوي على القريب “ , ذلك ان لغة الحسابات الرياضية ( دعك من الدينية و الحضارية الانسانية ) كان يفترض ان تحركنا اولا اتجاه الانتصار لمبدأ رفع الظلم عن الشعوب المقهورة , لا الانحياز للانظمة القاتلة , و ان تحركنا ثانيا للوقوف الى جانب من نتقاسم معهم “ الجيرة “ , و المصالح المشتركة مثل تركيا , لا الاخرين الذين هيمنوا على بلداننا , ووقفوا ضد قضايانا ,وجاءوا الى بلداننا على مركب “ المستعمر “ الغريب لا على مركب “ الصديق “ الذي يريد ان يساعد فقط .
المشكلة هنا ان مجتمعنا لم يعد قادرا على “ الفرز “ بين العدو و الصديق , فقد تغيرت اولوياته كما تغيرت تصوراته لمصادر الاخطار و هوية الاعداء الذين يتربصون به , و الاخطر ان “ قابلية” الانقسام لديه على اية قضية, تهمه او لا تهمه، اصبحت مسألة واردة , و لنا ان نتصور لو ان مجتمعنا مثلا تعرض لحدث كبير – لا سمح الله – كيف يمكن ان نتعامل معه في ضوء هذا الانقسام ,و كيف يمكن ان نتوحد لمواجهته في ظل تراجع الثقة فيما بيننا و انكشاف “ اجنداتنا” و شيوع الكراهية بيننا .
ذكرت اكثر من مرة ان الناس حين يتكلمون “ بالقضية “ , خاصة اذا كانت تمثل حدثا كبيرا وهاما , فانهم يفرزون ما لديهم من “ خبرات “ و طاقات , سلبية اكانت او ايجابية , و اذا ما دققنا في الكلام الذي نتداوله بعد كل كارثة , و في صورة انقسام مجتمعنا فان النتيجة تبدو كارثية بامتياز , ارجو ان لا يذكرني احد هنا ببعض الاحداث التي “جمعتنا” ووحدتنا , فلدينا نماذج اخرى لاحداث عصفت بنا فيما مضى , ولابد ان نستحضرها دائما ، خاصة ونحن نرى امامنا كيف تغيرت المجتمعات حولنا , و كيف خرجت “ قرود “ الطائفية و المذهبية و الكراهية من كل اتجاه في هذه المنطقة . وان كنا لسنا استثناء , فمن واجبنا ان ننتبه لخطورة ما لدينا من قابلية لمواجهة بعضنا , و شيطنة انفسنا , و تراجع اخلاقيات الخصومة فيما بيننا , ووجنوحنا الى اقصاء من يخالفنا و طرده من الملة الوطنية و الدينية و الانسانية لمجرد ان له رأيا اخر ..
(الدستور)
الصورة كما نقلتها وسائل التواصل الاجتماعي , كانت بائسة بامتياز , فقد جاءت ردود الافعال في اتجاهين متناقضين : احدها التعامل مع الحدث بمنطق الشماتة والكراهية والاستهزاء تجاه تركيا , و بعيدا عن لغة التحليل السياسي و الفهم العميق للخطوة التركية اغتنم هؤلاء الفرصة للتحريض ضد اردوغان , و الترويج لفكرة “ خريف السلطان “ كما انهم ذهبوا بعيدا فاحتفوا بردود الافعال الروسية ضد تركيا, اما الطرف الاخر فقد تقمص “ الانجاز “ التركي , و بالغ في تصويره انتصارا للامة كلها , و لم يخف حنينه “ للزمن “ العثماني و تجربة الخلافة , و كأن ما فعلته تركيا هو دفاع عن “ العرب”: هؤلاء الايتام الذين اصبحوا يبحثون عن “ ابّ “ اي “ ابّ “ لكي ينتسبوا اليه و يفتخروا به .
بمقدار ما عبرت الصورة عند انقسام و انشطار في “ وعي “ قادة المجتمع و قواعده التي خضعت لسطوة “ الاعلام “ فانها كشفت ايضا ما حصل من انقلابات في قيمنا و اخلاقياتنا العامة , و من ضحالة في تفكير البعض تجاه ما تتعرض له منطقتنا من “ انفجارات “ و تحولات , كما انها وضعتنا امام حقيقة ما اصاب مجتمعاتنا العربية الاسلامية التي كانت – حتى وقت قريب – تحتفظ بالحد الادنى من القواسم و المشتركات , فاذا بها تخضع لمنطق “ الانقسام “ و الكراهية , بل ان بعضنا اليوم بات يفضل الاستعمار , و يتمنى لو عاد الى بلادنا ,و يعتقد ان التحالف مع روسيا مثلا افضل من التحالف مع تركيا , او ان الانحياز للآخر سواء اكان الامريكي او الغربي او الروسي وحتى الاسرائيلي هو طريقنا للخلاص .
كانت السنوات الاربعة الماضية بالنسبة لمجتمعاتنا العربية “ كاشفة “ عن حجم الفساد الذي اصاب العقل العربي , و الفساد هنا لا يتعلق بالسلطة و الانظمة السياسية فقط و انما ايضا بالتفكير و مناهجه , و بالمثقفين و خياراتهم الانتهازية , و بالاعلام ورسائله المغشوشة , و حين نقول “ كاشفة “ فاننا نعتقد بان هذا الفساد كان موجودا و متراكما كما ان قابلية مجتمعاتنا له كانت متوفرة , لكن لم نكن نتصور ابدا ان الفساد وصل الى “ الضمير “ الانساني داخلنا , فلم نعد نهتز او نشعر بآلامنا و مصائبنا , او نتحرك لادانة ما يجري من قتل ضد الانسان , اي انسان , فكيف اذا كان يشاركنا في الدم العربي و الهوية الاسلامية الجامعة .
ايضا , لم اكن اتصور ان مجتمعنا الذي كان نموذجا في وقت مضى للتوافق و الوئام و الاعتزاز “ بالاسرة الواحدة “ سيتحول بهذه السرعة الى مجتمع للشماتة و الانقسام و الكراهية , او انه سيخضع لمنطق “ انا و عدوي على القريب “ , ذلك ان لغة الحسابات الرياضية ( دعك من الدينية و الحضارية الانسانية ) كان يفترض ان تحركنا اولا اتجاه الانتصار لمبدأ رفع الظلم عن الشعوب المقهورة , لا الانحياز للانظمة القاتلة , و ان تحركنا ثانيا للوقوف الى جانب من نتقاسم معهم “ الجيرة “ , و المصالح المشتركة مثل تركيا , لا الاخرين الذين هيمنوا على بلداننا , ووقفوا ضد قضايانا ,وجاءوا الى بلداننا على مركب “ المستعمر “ الغريب لا على مركب “ الصديق “ الذي يريد ان يساعد فقط .
المشكلة هنا ان مجتمعنا لم يعد قادرا على “ الفرز “ بين العدو و الصديق , فقد تغيرت اولوياته كما تغيرت تصوراته لمصادر الاخطار و هوية الاعداء الذين يتربصون به , و الاخطر ان “ قابلية” الانقسام لديه على اية قضية, تهمه او لا تهمه، اصبحت مسألة واردة , و لنا ان نتصور لو ان مجتمعنا مثلا تعرض لحدث كبير – لا سمح الله – كيف يمكن ان نتعامل معه في ضوء هذا الانقسام ,و كيف يمكن ان نتوحد لمواجهته في ظل تراجع الثقة فيما بيننا و انكشاف “ اجنداتنا” و شيوع الكراهية بيننا .
ذكرت اكثر من مرة ان الناس حين يتكلمون “ بالقضية “ , خاصة اذا كانت تمثل حدثا كبيرا وهاما , فانهم يفرزون ما لديهم من “ خبرات “ و طاقات , سلبية اكانت او ايجابية , و اذا ما دققنا في الكلام الذي نتداوله بعد كل كارثة , و في صورة انقسام مجتمعنا فان النتيجة تبدو كارثية بامتياز , ارجو ان لا يذكرني احد هنا ببعض الاحداث التي “جمعتنا” ووحدتنا , فلدينا نماذج اخرى لاحداث عصفت بنا فيما مضى , ولابد ان نستحضرها دائما ، خاصة ونحن نرى امامنا كيف تغيرت المجتمعات حولنا , و كيف خرجت “ قرود “ الطائفية و المذهبية و الكراهية من كل اتجاه في هذه المنطقة . وان كنا لسنا استثناء , فمن واجبنا ان ننتبه لخطورة ما لدينا من قابلية لمواجهة بعضنا , و شيطنة انفسنا , و تراجع اخلاقيات الخصومة فيما بيننا , ووجنوحنا الى اقصاء من يخالفنا و طرده من الملة الوطنية و الدينية و الانسانية لمجرد ان له رأيا اخر ..
(الدستور)