هذا الجيل الذي لا نعرفه..!
حسين الرواشدة
جو 24 : من أين خرج هذا الجيل العربي الغاضب؟ ربما لم يخطر في بال أحد أن يسأل عن المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي افرزت هؤلاء الشباب الذين وجدوا أنفسهم ضحايا لمجتمعاتهم ، أو يسأل عن ثورة الاتصالات والانترنت التي كان البعض يعتقد انها أفضل هدية لتسلية الشباب واشغالهم فاذا هي تتحول الى “قنابل” متفجرة لتسويق الغضب وتنظيمه ، أو ان يسال عن مآلات “الديمقراطيات” العربية التي اختزلت في تشييد الهياكل وتفننت في الطلاء على حساب البناء ، وانتصرت لمنطق النخب المستفيدة على حساب “المجتمع” ، ربما لم يخطر في بال الكثيرين أن الشباب الذين فتحوا أعينهم على حرب العراق ، ولبنان وغزة ، وعلى اجهاض الربيع الذي حاولوا ان يصنعوه ،وتابعوا مشاهد “العبث” الذي مارسه النظام السياسي العربي ، وتجاوزوا عقده “الخوف” التي ترسخت في آبائهم ، ان هؤلاء جيل جديد ، لا نعرفه تماماً ، ولا نستطيع ان نحدد اتجاهاته.. لا يخضع للحسابات التي الفناها ولا يتناسب وعيه من المقررات والاجراءات التي جربناها ، جيل له مقاييسه وحساباته وله وعيه الذي فوجئنا به ولم نحسب له أي حساب. لقد اخطأنا في التعامل مع هذا الجيل: اخطأنا حين اعتقدنا بأنه هرب من السياسة واستقال منها فاذا به ينزل الى ملاعبها فجأة وبدون انذار ، واخطأنا حين دفعناه الى الزهد في الاحزاب فاذا به يقودها بدل ان تقوده ، واخطأنا حين نزعناه من ثقافته واشغلناه بما وصلنا من موضات وبضائع للتسلية واللعب فاذا به اكثر التزاما بالثقافة والهوية ، واخطأنا حين ظننا ان “حقوقه” يمكن ان تختزل في التكنولوجيا ومزيد من وعود ما بعد الحداثة ، فاذا بالبطالة والفقر والاحساس بالاهمال تدفعه الى المطالبة بمزيد من الحرية والكرامة. على امتداد اكثر من نصف قرن ونحن نتعامل مع مجتمعاتنا بمنطق “الاستعلاء” والاستهتار ، ومع شبابنا بمنطق “الاهمال” ومع صوت الناس وصراخهم بمنطق “القمع” ، وبوسع عالمنا العربي اليوم ان يصحو على عصر جديد انتهت فيه كل هذه الاعتبارات والادوات ، وسقط فيه المنطق القديم ، وبوسع الحكومات العربية اذا أرادت ان تفهم - بوسعها ان ترصد حراك هؤلاء الشباب : من اين خرجوا ، ولماذا غضبوا ، ما هي حساباتهم في الربح والخسارة ، وما هي طموحاتهم وحاجاتهم ، كيف كسروا حواجز الخوف ، وكيف تجاوزوا “عقدة” النخب؟ لو فعلت ذلك الآن لتغيرت كثير من المطالبات والهتافات ، وتحول عنوان “التغيير” من دفة “الدم” الى دفة “السلم” ومن زاوية “الكراهية” الى زاوية البحث عن سلوك افضل. كل هذه المخاضات التي تشهدها عواصمنا تعني ان غدا لا يمكن ان يكون مثل الامس ، وان أولئك الشباب الذين كنا مطمئنين الى انشغالاتهم ومرتاحين من مشاغاباتهم لم يعودوا كذلك ، وان الحريات التي كانت “ترفا” تقدمها الحكومات للناس متى ارادت وتمنعها متى شاءت أصبحت “ضرورة” مثل الخبز والماء ، وربما اكثر!