دروس «الصفقة» ودلالالتها..!!
حسين الرواشدة
جو 24 : في تعليقه على “الصفقة” التي تمت بين الحكومة والمكتب الدائم لمجلس النواب قال وزير الاعلام : “ان الحكومة لم تتراجع او تتنازل عن قراراتها، وان ما جرى مجرد تعديل فقط..”، كان الوزير دقيقا في تصريحاته، فالحكومة فعلا لم تتراجع عن منطق فرض المزيد من الضرائب، لكنها تحت الاحساس بغضب الشارع وضغوط بعض السادة النواب تراجعت -تكتيكيا - خطوتين للوراء.
لا يهم هنا الدخول في تفاصيل “الصفقة”، ومن ربح فيها ومن خسر، ولا يهم معرفة ما حدث، وكيف ولماذا حدث، المهم ان نضع اصابعنا على دروسها واصدائها، واستأذن بالاشارة الى مسألتين : الاولى ان ما فعلته الحكومة حين تراجعت عن “نصف” مقرراتها لم يكن ليحدث لولا حركة المجتمع وارتفاع صوته، ومع ان هذه الحركة لم تتجاوز الفضائين الالكتروني والاعلامي، ولم تأخذ فرصتها في التعبير عن نفسها بشكل واضح، الا انها كانت كافية لايصال رسائلها الى المسؤولين، كما انها اعادت لمجتمعنا ما افتقده من حيوية ومن ثقة بالنفس، واعادت اليه الامل بقدرته على الدفاع عن حقوقه، وهذه فضيلة لا بد ان نسجلها للحكومة ومقرراتها، فقد كدنا نصدق في لحظة تاريخية توجسنا فيها مما يحدث حولنا، وانكفأنا على انفسنا خوفا على بلدنا، ان مجتمعنا اصبح مثقلا بالاحباط وكأنه فقد حيويته وعافيته، وان عجلة الزمن عادت للوراء، لكن هذا كله اصبح الان بحاجة الى اعادة نظر او اعادة تقييم على الاقل.
اما المسألة الاخرى فهي ان ما حدث فتح اعيننا مجددا على مجلس النواب، وعلى قانون الانتخاب تحديدا، صحيح ان هذا المجلس تحرك تحت الاحساس بالحرج وحاول ان “يلمّ” الطابق، ووضع للحكومة “جسرا” الى الوصول لطمأنة الناس باقل الخسائر، ليس دفاعا عنها فقط وانما للدفاع عن شعبيته ايضا، لكن الصحيح ان اداء هذا المجلس (دعك من بعض الاصوات الشجاعة) كان اقل من المطلوب، وبالتالي فان المهمة الاولى التي يجب ان نحشد لها ونتوافق حولها هي الدفع باتجاه اقرار قانون انتخاب يساعدنا على افراز مجلس نيابي قوي وقادر على القيام بدوره التشريعي والرقابي، واذا لم نفلح في هذه المهمة فان مجتمعنا سيتولى وحده واجب الدفاع عن حقوقه، وسيكون بمثابة “حائط صدّ” لكل القرارات الخاطئة التي تتعارض مع مصالحه او تستهدف سلامته، وهذه مهمة صعبة ومحفوفة بالمخاطر، الامر الذي يرتّب على الدولة ضرورة الخروج من هذه الاشكالية من خلال ارادة سياسية حازمة تأخذنا الى مجلس نيابي حقيقي يمثل ارادة الناس ويعبّر عن طموحاتهم ويردع الحكومات اذا ما اخطأت في قراراتها او تجاوزت حدود المصالح العليا للمجتمع.
لكي تكتمل الصورة لا بأس ان ندقق في اصداء ما حدث ايضا من زوايا اخرى، منها ان الصفقة التي جرت - مهما كانت حيثياتها ونتائجها - ابرزت فضيلة الحوار والتفاهم، كبديل عن الاعتماد على منطق المغالبة والعناد والاستعلاء، ومع ان هذه الفضيلة غابت طويلا عن مجتمعنا في علاقاته مع حكوماته ومؤسساته الا ان ما جرى بين الحكومة واعضاء المكتب الدائم للنواب ذكّرنا على الاقل بها، وكل ما نتمناه الان ان تتعمق هذه الفكرة وان تعمم بصورة اكثر نضجا لكي يصبح “الحوار” عنوانا معتمدا نذهب اليه في كل شأن من شؤوننا العامة وليس فقط حين تداهمنا الازمات .
ثمة زاوية ثانية وهي ان ما جرى خلال “ازمة” رسوم الترخيص “ونصف دينار الغاز” كشف عن هشاشة الاحزاب، وخيبة النخب، فبينما اكتفت الاحزاب باصدار بيانات الرفض والادانة،كما تفعل مع كل حادثة(!)، استغلت بعض النخب فرصة ضعف الموقف الحكومي، فتحررت من ماضيها وانهالت على الحكومة بالتأنيب والتقريع، كان يمكن بالطبع ان نفهم ذلك الهجمة في سياقات النقد السياسي المشروع، او المعارضة المطلوبة، لكن بعض الذين خاضوا في هذا الشأن لم يكونوا للاسف حين تبوؤا مواقع المسؤولية ذاتها، افضل اداء ولا احساسا بمعاناة الناس، كما ان “هبتهم “ المفاجئة افتقدت اخلاقيات الخصومة السياسية، وبالتالي جاءت في سياق التربص وتسديد الفواتير لا في سياق الانتصار لحقوق الناس ومعاناتهم.
تبقى الزاوية الاخيرة، وهي تتعلق بغياب جماعة الاخوان المسلمين عن المشهد، حيث لم نسمع صوت الجماعة بنسختيها القديمة والجديدة ولا ذراعها الحزبي ولا حكماءها،هذا الغياب يبدو مفهوما نظرا لاعتبارات “الازمة” الداخلية التي تعاني منها الجماعة بفصائلها المختلفة، لكن الاهم من ذلك ان هذه الازمة كانت بمثابة “بروفة” لعلاقة الجماعة مع الحكومة والدولة مستقبلا، فالاخوان في ظل حالة “الاضعاف” التي من المرجح ان تستمر لن يتمكنوا من ممارسة “معارضة” قوية وفاعلة ضد المقررات والسياسات الرسمية، وسواء كان غياب الاخوان مجرد رسالة مقصودة لتقديم “حسن النوايا” للحكومة، او انه عكس حقيقة ازمتهم الداخلية واولوياتهم وانشغالاتهم الحالية، فان كل ذلك يصب بلا شك في حساب الحكومات التي من مصلحتها تحييد الاخوان او اشغالهم بازماتهم او تقليم اظافرهم لكي ينضموا الى طوابير الأحزاب الأخرى.
الدستور
لا يهم هنا الدخول في تفاصيل “الصفقة”، ومن ربح فيها ومن خسر، ولا يهم معرفة ما حدث، وكيف ولماذا حدث، المهم ان نضع اصابعنا على دروسها واصدائها، واستأذن بالاشارة الى مسألتين : الاولى ان ما فعلته الحكومة حين تراجعت عن “نصف” مقرراتها لم يكن ليحدث لولا حركة المجتمع وارتفاع صوته، ومع ان هذه الحركة لم تتجاوز الفضائين الالكتروني والاعلامي، ولم تأخذ فرصتها في التعبير عن نفسها بشكل واضح، الا انها كانت كافية لايصال رسائلها الى المسؤولين، كما انها اعادت لمجتمعنا ما افتقده من حيوية ومن ثقة بالنفس، واعادت اليه الامل بقدرته على الدفاع عن حقوقه، وهذه فضيلة لا بد ان نسجلها للحكومة ومقرراتها، فقد كدنا نصدق في لحظة تاريخية توجسنا فيها مما يحدث حولنا، وانكفأنا على انفسنا خوفا على بلدنا، ان مجتمعنا اصبح مثقلا بالاحباط وكأنه فقد حيويته وعافيته، وان عجلة الزمن عادت للوراء، لكن هذا كله اصبح الان بحاجة الى اعادة نظر او اعادة تقييم على الاقل.
اما المسألة الاخرى فهي ان ما حدث فتح اعيننا مجددا على مجلس النواب، وعلى قانون الانتخاب تحديدا، صحيح ان هذا المجلس تحرك تحت الاحساس بالحرج وحاول ان “يلمّ” الطابق، ووضع للحكومة “جسرا” الى الوصول لطمأنة الناس باقل الخسائر، ليس دفاعا عنها فقط وانما للدفاع عن شعبيته ايضا، لكن الصحيح ان اداء هذا المجلس (دعك من بعض الاصوات الشجاعة) كان اقل من المطلوب، وبالتالي فان المهمة الاولى التي يجب ان نحشد لها ونتوافق حولها هي الدفع باتجاه اقرار قانون انتخاب يساعدنا على افراز مجلس نيابي قوي وقادر على القيام بدوره التشريعي والرقابي، واذا لم نفلح في هذه المهمة فان مجتمعنا سيتولى وحده واجب الدفاع عن حقوقه، وسيكون بمثابة “حائط صدّ” لكل القرارات الخاطئة التي تتعارض مع مصالحه او تستهدف سلامته، وهذه مهمة صعبة ومحفوفة بالمخاطر، الامر الذي يرتّب على الدولة ضرورة الخروج من هذه الاشكالية من خلال ارادة سياسية حازمة تأخذنا الى مجلس نيابي حقيقي يمثل ارادة الناس ويعبّر عن طموحاتهم ويردع الحكومات اذا ما اخطأت في قراراتها او تجاوزت حدود المصالح العليا للمجتمع.
لكي تكتمل الصورة لا بأس ان ندقق في اصداء ما حدث ايضا من زوايا اخرى، منها ان الصفقة التي جرت - مهما كانت حيثياتها ونتائجها - ابرزت فضيلة الحوار والتفاهم، كبديل عن الاعتماد على منطق المغالبة والعناد والاستعلاء، ومع ان هذه الفضيلة غابت طويلا عن مجتمعنا في علاقاته مع حكوماته ومؤسساته الا ان ما جرى بين الحكومة واعضاء المكتب الدائم للنواب ذكّرنا على الاقل بها، وكل ما نتمناه الان ان تتعمق هذه الفكرة وان تعمم بصورة اكثر نضجا لكي يصبح “الحوار” عنوانا معتمدا نذهب اليه في كل شأن من شؤوننا العامة وليس فقط حين تداهمنا الازمات .
ثمة زاوية ثانية وهي ان ما جرى خلال “ازمة” رسوم الترخيص “ونصف دينار الغاز” كشف عن هشاشة الاحزاب، وخيبة النخب، فبينما اكتفت الاحزاب باصدار بيانات الرفض والادانة،كما تفعل مع كل حادثة(!)، استغلت بعض النخب فرصة ضعف الموقف الحكومي، فتحررت من ماضيها وانهالت على الحكومة بالتأنيب والتقريع، كان يمكن بالطبع ان نفهم ذلك الهجمة في سياقات النقد السياسي المشروع، او المعارضة المطلوبة، لكن بعض الذين خاضوا في هذا الشأن لم يكونوا للاسف حين تبوؤا مواقع المسؤولية ذاتها، افضل اداء ولا احساسا بمعاناة الناس، كما ان “هبتهم “ المفاجئة افتقدت اخلاقيات الخصومة السياسية، وبالتالي جاءت في سياق التربص وتسديد الفواتير لا في سياق الانتصار لحقوق الناس ومعاناتهم.
تبقى الزاوية الاخيرة، وهي تتعلق بغياب جماعة الاخوان المسلمين عن المشهد، حيث لم نسمع صوت الجماعة بنسختيها القديمة والجديدة ولا ذراعها الحزبي ولا حكماءها،هذا الغياب يبدو مفهوما نظرا لاعتبارات “الازمة” الداخلية التي تعاني منها الجماعة بفصائلها المختلفة، لكن الاهم من ذلك ان هذه الازمة كانت بمثابة “بروفة” لعلاقة الجماعة مع الحكومة والدولة مستقبلا، فالاخوان في ظل حالة “الاضعاف” التي من المرجح ان تستمر لن يتمكنوا من ممارسة “معارضة” قوية وفاعلة ضد المقررات والسياسات الرسمية، وسواء كان غياب الاخوان مجرد رسالة مقصودة لتقديم “حسن النوايا” للحكومة، او انه عكس حقيقة ازمتهم الداخلية واولوياتهم وانشغالاتهم الحالية، فان كل ذلك يصب بلا شك في حساب الحكومات التي من مصلحتها تحييد الاخوان او اشغالهم بازماتهم او تقليم اظافرهم لكي ينضموا الى طوابير الأحزاب الأخرى.
الدستور