ساعدوهم للخروج من هذا اليباس..!
حسين الرواشدة
جو 24 : كيف يقضي الشباب في بلادنا أوقاتهم؟ حاولت في الاسبوع الماضي ان اعرف الاجابة فانطلقت الى احدى المكتبات العامة الكبرى ، وتصفحت وجوه الجالسين على المقاعد ، كانوا - بالطبع - بعدد أصابع اليدين ، معظمهم تجاوز عمر الشباب ، وخرجت من المكتبة العامة الى مكتبة اخرى وسط البلد ، لم يكن الحال مختلفاً ، فالشباب ليسوا من رواد المكتبات ، لا قراءة ولا شراء للكتب. في شوارعنا ثمة عشرات (المقاهي) بمسمياتها المختلفة ، هذه تشكل اليوم مأوى الشباب وملاذهم ، ففيها يلتقون ويدخنون ويتداولون احاديثهم ، وفيها يزجون اوقات فراغهم ، في كل مقهى يجلس العشرات من العاطلين عن العمل ، او الباحثين عن فسحة (لقاء) او المهمومين او الغارقين في الاحباط ، يمضغون الفراغ ، ويتوزعون همومهم ، ويحاولون ان يكسروا جدار الصمت ، ولكن بلا جدوى. قوة مهدورة وملقاة على مقاعد (المقاهي) ، وطاقة تبددت في الهواء ، وأذرعة قوية هدهدتها (العطالة)... وأشغلتها التفاصيل فما عادت قادرة على التفكير بواقعها او التخطيط لمستقبلها ، او المشاركة في تقدم مجتمعاتها. بعضهم (متدين) ولكنه اختزل الدين في العبادات فقط ، ومارس ما فيه من شكليات ، ولم ينتج تدينه بالتالي تغيراً في السلوك ، او حركة في الواقع او تجديداً في الحياة ، وبعضهم محبط من كل شيء ، ومكتئب دائما ولا يرى في الافق الا السواد ، وبعضهم يبحث في المجهول عن حل ، ويتمنى لو ينشغل بما هو مفيد. هؤلاء كلهم ضحايا لمجتمع انسحب عن القيام بدوره ، وانعزل عن الاهتمام بقضايا أبنائه وتعامل معها بمزيج من الاهمال والقسوة ، والقطيعة والغفلة ، ولم يتعهد تربيتهم بالرعاية ، فخرجوا مثل الاشواك والاحساك ، بدل ان يخرجوا مثل الورود والاشجار المثمرة. لا تسأل عن واقع الشباب اليوم في مجتمعاتنا واحوالهم ، فهم افراز لمجتمعات تكسرت فيها القيم ، واختلطت فيها المفاهيم والقضايا ، وشاعت فيها ثقافة التطرف والانكسار ، وانحدرت في خطابها الى منطق الحروب والكراهية والصراع على لا شيء. ورغم ذلك ، تبدو في الاطار صور اخرى تبعث على الأمل ، فثمة شباب يملؤهم الأمل ، ويحركهم العمل ، ابدعوا وخرجوا من كوابيس الواقع.. هؤلاء - وحدهم - عرفوا قيمة الوقت ، وقيمة الصحة والعافية فانطلقوا يملؤون فراغنا (بالخضرة) وسط هذا الغبار الكثيف.