الوزير مقتنع ، ما رأي « فقهاء » التربية..؟!
حسين الرواشدة
جو 24 : يستطيع وزير التربية والتعليم ان “ يقنع “ نفسه بان ما فعله في السنوات الثلاثة المنصرفة يندرج في باب “اصلاح التعليم “ لكن الكثيرين في بلادنا (ومنهم خبراء تربويون واباء وطلبة ومعلمون) ما زالوا يعتقدون ان ما جرى مجرد “قفزات” الى المجهول , او هي على اقل تقدير اجتهادات ادارية ، لا تربوية , تنقصها الرؤية والتخطيط , ويشوبها التسرع ومحاول البحث عن “انجاز” ..اي انجاز. المشكلة بدأت حين تم اختزال “ اصلاح التعليم “ في عنوان واحد هو “التوجيهي” ، وبالتالي انصبّت جهود الوزارة نحو “ معاقبة” التلاميذ على فشلهم او تقصيرهم في نهاية مشوارهم التعليمي دون السؤال عن الاسباب والمقدمات التي افضت بهم الى هذه النتيجة , ونحن هنا نتحدث عن 12 عاما يقضيها الطالب على مقاعد الدراسة ويتعامل فيها مع مدرسين ومناهج وبيئات مدرسية تعاني من صور مختلفة من الخلل , ومن مشكلات متراكمة ومزمنة , لكن الوزارة منذ عقود و حتى الان , لم تتحرك لمعالجتها , فيما انتبهت الى التوجيهي فقط , وكانت النتيجة كما رأينا في العام الماضي رسوب نحو 90 الف طالب , لا نعرف الى اين ذهبوا , وهروب مئات الطلبة للحصول على شهادة التوجيهي من الخارج . الان تفاجئنا الوزارة بامتحان المرة الواحدة للتوجيهي , وهي – بالطبع – لا تعيدنا للوراء فقط ,وانما تصر على اغراقنا في “وهم “ اصلاح التعليم الذي لا بد ان يبدأ بالتوجيهي فقط (تصور ؟)بما يعكسه ذلك من فهم غير صحيح لأزمة التعليم في بلادنا , ومن ترتيب معكوس لاولويات اصلاحه , ومن منطق الانتصار للادارة على حساب التربية والتعليم , وتطبيق الاحكام والحدود قبل اصلاح الواقع الذي تتقصده هذه الاحكام , وتهيئة المستهدفين منها للتكيف معها وقبولها . من المفارقات – هنا - ان الوزارة تتحدث عن “ قرار” وليس عن اقتراح او مشروع قابل للنقاش , وكأن المسألة قد حسمت , فيما تثير الاحتجاجات التي شهدتها المدارس مؤخرا , والاعتراضات التي قدمتها نقابة المعلمين ، الى عدم وجود قناعة بجدوى العودة “للامتحان الواحد “ , لسبب بسيط , ربما ، وهو ان المشكلة ليست في مواعيد الامتحانات سواء اكانت لمرة او لمرتين او عشرة , وانما في “ رؤية “ اصلاح التعليم , ابتداء من المناهج الى البيئات المدرسية الى مضامين الامتحانات ومعاييرها ، وصولا الى دور وزارة التربية والتعليم وفلسفتها وعلاقتها مع هذا القطاع ومع المجتمع , لا اتحدث هنا فقط عن علاقة الوزارة بنقابة المعلمين التي ما تزال تخضع لمنطق ( الشد المتبادل ) وانما ايضا عن علاقتها مع قطاع التعليم الخاص الذي يعاني من الفوضى , ومع فقهاء التربية الذين يفترض ان يشكلوا “ بيت” الخبرة لدى الوزارة , ومع المجتمع الذي لا يجوز ان يظل “ حقل” تجارب ، او مجرد مستقبل “ لمقررات “ تنزل بالبرشوت، او احكام تصدر للتطبيق بلا نقاش . بالعودة الى قرار الامتحان الواحد , نكتشف من التصريحات التي سمعناها ان الوزارة اتخذت القرار فعلا دون ان يخضع للنقاش العام , وحين صدمتها الاعتراضات عليه حاولت ان “ تسوقه” من خلال ابراز بعض التحسينات , ( تخفيض عدد المواد التي يقدمها الطلبة والمواد الاخرى التي تدخل في احتساب المعدل مثلا ) ، لكن بقي السؤال الاساسي الذي يتعلق “ بجودة المخرجات “ , معلقا بلا اجابة , هنا كان يفترض ان يخضع الاقتراح للنقاش العام , ليس من اجل الترويج والتسويق فقط , وانما من اجل الاستماع لاراء فقهاء التربية وخبرائها , واستطلاع اراء الميدان التربوي , وقبل ذلك التدقيق في تجاربنا السابقة حول “ التوجيهي” ومعرفة اين اخطأنا واين اصبنا , وهل القضية قضية امتحان فقط يمكن ان نختلف على مواعيده ام انها اكبر واعمق من ذلك ؟. حتى الان ، لا يبدو ان اجهزة الاستقبال لدى الوزارة مفتوحة لالتقاط ما يصدر عن مدارسنا ومجتمعنا من رسائل , كما لا يبدو انها بصدد مراجعة حقيقية “ لمنظومة” التعليم بهدف اصلاحها بشكل يتناسب مع حاجاتنا وظروفنا , وبالتالي فان عقد امتحان التوجيهي مرة واحدة او مرتين لن يصنع لنا تعليما جيدا ولا طلبة جيدين , ليس فقط لان الامتحان ما زال عاجزا عن قياس تحصيل هؤلاء الطلبة , او انه لا يكفي وحده لذلك ،وانما لان المشكلة اصلا ليست في الامتحان فقط وانما في مضامين التعليم وبيئته ، وفي دور الوزارة وفلسفتها ، وفي عقلية “ التلقين” التي ما نزال نصرعليها , سواء تعلقت بالقرارات التي تصدر، او بالمناهج التي تدرّس .
(الدستور)
(الدستور)