جملة مُعترضة !!
خيري منصور
جو 24 : من يبحث عن الأقبح منه كي يبدو جميلا لن يحقق حلمه، ومن يبحث عن الأقصر منه كي يبدو عملاقا سيبقى في المرايا حتى لو استطالت قزما، ومن يبحث عن كومبارس آخر يزيد دوره عن دور سابقه بضع دقائق فقط، وهناك اضافة الى هؤلاء من يبحث عن الأفقر منه كي يقنع نفسه بأنه ثري تماما كما يبحث الاعرج عن كسيح كي يروي له حكايات الفوز في السباق، وكذلك الاعور الذي يلعب دور زرقاء اليمامة مع الأعمى، فمتى نكفّ عن هذا البحث كي نحقق اوهامنا وليس احلامنا، فالوهم لا يتحقق على الاطلاق. ان جميع من برزوا في مجالاتهم كانوا ممن يبحثون عن الأعلم والأغنى والأكثر تجربة كي يحرضوا ارادتهم على الاستجابة للتّحدي، ولا أظن ان أحدا نجح في مجاله وكان يحترف الهروب ممن هُم اعلى منه قامة او اكثر شهرة لأنه عندئذ سيبقى الأقل قُبحا في احسن الحالات وليس الأجمل، وسيبقى الأقل قِصرا وليس الأطول، لكن يبدو ان هناك مراحل في تاريخ الحضارات يتوارى فيها هاجس المغامرة وراء التقليد الذي يصل حدّ التّقريد. وفي مثل هذه المراحل يصبح الأجمل مطالبا بالاعتذار وكذلك الاطول والافضل والاكثر نجاحا . فالخير كما يقال يجرّ وراءه خيرا كما ان القمل يجرّ وراءه سيبانا، وهذا النمط السلبي والمهزوم قبل البدء بأية حرب تتحول الحياة كلها بالنسبة اليه الى عادة غير علنية، فهو يكذب على نفسه حتى يصدقها ويكذب على الاخرين حتى يكتشفوه؛ لأن الكاذب ينسى وتتعدد لديه الروايات لأن احداثها لم تقع . ويخطئ من يتصور ان ما أفسد واقعنا وحوّل حياتنا الى جحيم هو السياسة وحدها او الفقر وحده، فثمة عوامل نفسيّة نتهرب جميعا من ذكرها، وكأننا نتواطأ على ذلك، وهناك حقيقة حبّذا لو يدركها الباحثون عن كل ما هو قبيح كي يقارنوا انفسهم به هي ان الحيوانات كلما صغرت او ضعفت تزداد لديها ممارسة الكذب بالغريزة، كالحرباء التي تغيّر لون جلدها والسلحفاة التي تدفن نفسها في صدفة هي اشبه بقبر يحملها ويسعى!. والإنسان القوي الواثق والمتماسك والذي لا يعاني من اي احساس بالنقص لا حاجة به الى الكذب ولا يمكن له ان يخون او يطعن في الظهر، كم نتمنى ان تظفر الظواهر النفسية والاجتماعية في ثقافتنا العوراء والعرجاء بواحد في الألف مما تظفر السياسة في ادنى تعريف علمي لها .
(الدستور)
(الدستور)