السعودية وإيران: هل أصبح الحوار ممكنا؟!
حسين الرواشدة
جو 24 : ذكرت مصادر جزائرية، ان الرئيس بوتفليقة قدم مبادرة الى النائب الأول للرئيس الإيراني اسحاق جهانغيري، الذي زار الجزائر الأربعاء والخميس الماضيين،وإلى مبعوث خاص لخادم الحرمين الشريفين زار الجزائر الأسبوع الماضي المبادرة الجزائرية، والمبادرة تتضمن دعوة البلدين الى التفاوض المباشر للمساهمة في تسوية النزاعات المسلّحة في المنطقة العربية، من خلال استغلال علاقات كل بلد ونفوذه للتهدئة وإعادة الاستقرار إلى المنطقة. مبادرة بوتفليقة بالطبع تستحق النقاش والاحترام ايضا، لكن هل سيكتب لها النجاح..؟ لا شك ان منطقتنا تشهد “تصفيات” نهائية في مونديال دموي لن يخرج احد منه بانتصار حقيقي، لا ايران ولا تركيا ولا العرب، ولهذا فان اقصر طريق لوقف النزيف وتجنب الكوارث القادمة هو “تشغيل” محركات السياسة ، وتغليب منطق الحوار والعقل والحكمة على وساوس الانتصار او الانتقام او اعادة عقارب التاريخ للوراء. واذا كان المطلوب في العلاقات العربية الايرانية ليس “الحب” المتبادل، فان البحث عن المصالح المشتركة هو البديل للصراع والمواجهة ، اما الاستثمار في العداء فأحسب انه يضر بالطرفين معا، ويمنح اسرائيل فرصة اللعب “بالميدان” لكسب ما تريده والحاق الهزيمة بنا جميعا دون استثناء. لا بد ان نصارح انفسنا ، فالصراع الذي يدور في المنطقة وعليها وضع العرب والايرانيين وجها لوجه ، لكنه صراع سياسي وليس دينيا او مذهبيا ، صحيح ان ايران تحاول ان تتغلغل في بلداننا ، ولا تراعي مصالحنا ولا تحترم اصول الجيرة ، لكن من قال ان طهران - او غيرها - تحتاج الى اذن من النظام الرسمي العربي لكي تتمدد في منطقتنا ، فقد استطاعت ان تجيّر الاحتلال الامريكي للعراق لتحقيق مصالحها، وأصبحت اللاعب الرئيسي في المعركة السياسية التي دارت بين العراقيين أنفسهم ، دون ان تدفع أي ثمن ، كما انها نجحت في تبني حزب الله كذراع من اذرعتها ، وفي استثمار ساحة الحرب الافغانية لامتصاص الضغوط الغربية التي استهدفتها بسبب ملفها النووي وصولا الى توقيع الاتفاق النووي، وهي الان طرف اساسي وفاعل في الحرب المشتعلة في سوريا واليمن ايضا. يدرك العرب هذه الحقائق تماماً ، ويخشون من امتداد النفوذ الايراني بشكل أوسع، ولأنهم لا يمتلكون ما يلزم من ارادة وادوات لادارة (الصراع) مع طهران، او الوصول الى تفاهمات معها، فانهم يلجأون الى ما يشبه المواجهة الصامتة، او ان شئت التلويح بالخيارات البديلة للتعبير عن رفضهم لسياساتها وضيقهم من ممارساتها ، لكن لا اعتقد ان احدا من الاطراف العربية والايرانية يفضل المواجهة العسكرية، واذا كان ذلك صحيحا فما هو جدوى الاستمرار في الحرب الباردة او الحرب بالوكالة..؟ ثمة فرق - بالطبع - بين الحكم على السياسات الايرانية في منطقتنا وبين فهم هذه السياسات من منطلق تصورات المصالح الايرانية ذاتها ، ومدى تقاطعها مع المصالح العربية: الحكم - سواء بمنطق الادانة والرفض او القبول والتعاطف - ليس مهماً ، فمن حق اي دولة ان تحدد ما تريد.. وان تبني خياراتها كما تشاء ما دامت قادرة على تحقيقها ، لكن ما يهمنا هو الفهم من أجل ان نحدد خياراتنا، ونحسم اتجاه بوصلتنا، ونعرف كيفية التعامل مع هذه “الجارة “ التي تشاركنا في التاريخ والجغرافيا، وربما في المصير ايضاً. من يحتاج الآخر اكثر، العرب أم ايران؟ ومن يخدمه الحوار اكثر ومن يسعى اليه ان كان ثمة من يسعى اليه؟ ومن هو - بالتالي - المستفيد من العداء بين الطرفين؟ ربما تكون الاجابات مفهومة في سياق الاختلال الواضح في منطق القوة والنفوذ الذي يتعامل على أساسه العرب والايرانيون ، لكن غير المفهوم هو الاستمرار في تأجيج الهواجس والمخاوف بذريعة الاستسلام لوجود صراع محتوم، قد يبدو حقيقيا، بين الطرفين، لكن هذه الهواجس التي تثيرها حالة الضعف العربي امام النفوذ الايراني المتصاعد، والاشارات الحمراء التي تقطع امكانية الدخول في أي حوار عربي مع طهران ، سواء كانت بسبب استحقاقات عربية داخلية، او صادرة من الخارج، هي التي تحتاج الى تحرير وتفكير ، والى اجابة عربية وايرانية مقنعة؛ لأن تبديدها - اذا امكن - هو بداية الطريق لتصفية المناخات (العدائية) بين الجيران. لو قيض لدولنا العربية ان تحسم خياراتها باتجاه علاقاتها البينية اولا، وقضاياها الكبرى ثانياً، ومصالحها وعلاقاتها مع العالم، لكان بوسعنا ان نتوقع انفتاحاً سريعاً لقنوات أي حوار مع طهران، لكن ما دام ان هذه الخيارات ما تزال (مجمدة) ، فان الاضطرار العربي لفتح تحالف مع دول الجوار، وايران تحديداً، لم يحن وقته بعد، كما تعتقد بالطبع بعض العواصم العربية، الامر الذي يجعل دعوة الرئيس الجزائري بوتفليقه، محاولة جادة وشجاعة لاعادة ترميم العلاقات الايرانية السعودية وازالة حالة العداء بينهما، خاصة انها جاءت في سياق تصريحات ايرانية وسعودية حول تبادل السفراء ( وافقت الخارجية الإيرانية على ترشيح المملكة السعودية علي بن حسن بن جعفر سفيراً في طهران،كما نقلت وكالة فرانس برس عن الناطق باسم وزارة الخارجية الايرانية جابر أنصاري قوله، إن هناك جهوداً ديبلوماسية جارية بين إيران والسعودية لإعداد الأرضية لحوار مباشر، من أجل تسوية الخلافات والقضايا الإقليمية) . نتمنى ان تنجح المبادرة الجزائرية في فتح حوار سعودي ايراني، لكن هل سيكتب لها النجاح في ظل احتدام الصراع على الاجندات في المنطقة، ثم هل ستلتزم طهران بتقديم أي تنازلات، ما دام أنها في موقع الارسال.. والعرب في موقع لا يحسدهم عليه احد..؟ الحوار سيكشف ذلك اما الاستمرار في المواجهة فلن ينتج الا مزيدا من الكوارث.
(الدستور)
(الدستور)