العرب والتطرف
د. حسن البراري
جو 24 :
سأتوقف هذه العجالة عند رقمين وردا في استطلاع الرأي السنوي الذي نفذه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في اثنى عشر بلدا عربيا وأعلنت نتائجه قبل أيام قليلة ماضية إذ أفاد ٨٩٪ من المستجيبين بأنهم يعارضون تنظيم داعش بينما رأى ما يقارب من ٦٢٪ بأن حل الأزمة السورية يستلزم رحيل نظام الأسد.
وبالرغم من وجود ما نسبته ٧٪ تؤيد تنظيم داعش إلا أن الدعم لهذا التنظيم مرتبط بشكل أساسي بالظروف السياسية والاقتصادية والظلم الذي تتعرض له شعوب هذه المنطقة وليس مؤشرا على درجة التدين في المجتمعات العربية، فأكثر من نصف مؤيدي التنظيم لا ينطلقون من اتفاقهم مع نمط الحياة والبرنامج الذي يطرحه تنظيم داعش وإنما من المظالم السياسية التي أشرنا لها. ويتضح تماما من الاستطلاع أن الغالبية الساحقة بين العرب يرفضون التطرف والإرهاب وبالتالي لا يمكن ولا بأي شكل من الأشكال أن ينظر إلى داعش وكأنها تمثل الإسلام أو المسلمين. فلا غرابة عندها عندما يفيد ما يقارب من ٢٨٪ من المستطلعة آراؤهم بأن القضاء على تنظيم داعش يتطلب تحولا ديمقراطيا.
وإذا كان التحول الديمقراطي هو إحدى الوسائل الهامة والفعالة لمنع خلق أجواء التطرف وللقضاء على تنظيم مثل تنظيم داعش، عندها نفهم إصرار غالبية ٦٢٪ من المستطلعة آراؤهم بأن الإبقاء على نظام بشار الأسد لا يمكن له أن يشكل مدخلا لحل للأزمة السورية كما تريدنا إيران وروسيا أن نفهم، بمعنى آخر فإن الإبقاء على الأسد والادعاء بمحاربة داعش هما أمران متناقضان فالأمران لا يستقيمان. وربما لا يحتاج الأمر استطلاعا للرأي للتوقف عند هذه الحقيقة، فبقاء الأسد هو المغناطيس الذي يجلب المتطوعين لتنظيم داعش ويساهم الإبقاء على نظام الأسد بهذا المعنى في تقوية تنظيم يجمع المجتمع الدولي على ضرورة محاربته واحتوائه إن لم يكن القضاء عليه.
ولعل هذا الرأي العربي ليس معزولا عن فهم دولي لما ينبغي عمله للقضاء على تنظيم داعش، فالرئيس الأمريكي باراك أوباما يصر على أنه من الصعوبة بمكان التركيز على داعش ما دام الأسد في منصبه، فمن الضروري وفقا لباراك أوباما الانتصار على داعش وهذا يستلزم تعاون المجتمع السني في سوريا وهو أمر سيكون متعذرا ما دام بشار الأسد في الحكم. للأسف الشديد لا يترجم هذا الفهم لدى الرئيس أوباما إلى برنامج عمل، فما زالت الولايات المتحدة تعيش في وهم إمكانية الحصول على مساعدة الطرف الروسي لإقناع بشار الأسد بالتنحي عن الحكم، فالروس لن يقوموا بذلك لأنهم ببساطة لا يدفعون ثمن احتلالهم لجزء من سوريا بتواطؤ من نظام فاقد الشرعية. والحق أنه طالما بقي الرئيس أوباما مقتنعا بهذا الوهم لتبرير سياسة اللا عمل فإن التطرف سترتفع وتيرته في قادم الأيام بشكل يرفع من كلفة محاربة الإرهاب في نهاية المطاف.
من جانب آخر، لا يمكن بأي حال من الأحوال الانسياق وراء مقولات لبعض المتطرفين في الغرب الذين يصرون على أن التطرف هو خصوصية عربية أو إسلامية، فالاستطلاع يؤكد على ما توصل إليه غيره من الاستطلاعات (منها استطلاعات لمؤسسات أمريكية مثال غالوب) من أن غالبية العرب يفضلون نظاما ديمقراطيا، بمعنى أنهم كغيرهم من البشر يبحثون عن حياة أفضل وهم بذلك أبعد ما يكونون عن التطرف.
التطرف ليس خصوصية لأبنا هذه المنطقة بدليل أن مؤيدي تنظيم مثل تنظيم داعش الإرهابي لا يتعدون
٧٪ نصفهم يؤيد داعش لأسباب لا علاقة لها بالتدين أو بالتطرف، فهناك ظروف سياسية واجتماعية تدفع البعض إلى أحضان التنظيم أو إلى تأييده لأنهم ليسوا فقط محبطين وإنما فقدوا الأمل في أن تتغير الأحوال إلى الأفضل.
وحتى الموقف العربي الجمعي الذي يناهض الغرب لا يرى بأن الغرب شر مطلق، فانتشار مظاهر معادة الغرب على سبيل المثال له أسباب مرتبطة بسياسات الغرب وليس بقيم الغرب، وعلى العكس مما يعتقد الكثيرون فهناك حالة إعجاب لما توصلت إليه الحضارة الغربية من منجزات علمية وتقنية وإنسانية غير أن هذا الإعجاب لا يخفي حقيقة أن الشعوب العربية واعية لأخطار السياسات الغربية في المنطقة ومنها تمكين إسرائيل وانتهاج سياسات ضد رغبات الشعوب العربية بشكل ألحق ضررا بالغا في المجتمعات العربية.
بكلمة، لا يمكن قراءة أرقام الاستطلاع المشار إليه إلا في سياقه الصحيح، فالتطرف له أسبابه الموضوعية غير أن المقاربات الغربية ما زالت تهتم بمعالجة الإرهاب بدلا من التركيز على التطرف. فالعرب ليسوا متطرفين وهم يشتركون مع الغرب بضرورة القضاء على التنظيم لكنهم لا يتفهمون موقف أمريكا الذي يبقي على أسباب التطرف مثل بقاء نظام بشار.