إشــاعــات «بــيــع» البتــراء..!!
حسين الرواشدة
جو 24 : كما تروي الامهات لاطفالهن قبل النوم قصة “الغولة”، خرج اهالي وادي موسى لكي يحذروننا من “بيع البتراء”، قد تبدو القصتان مختلفتان لكنهما يشتركان في مسألتين: الاولى ان اخواننا في “الوادي” مثل امهاتنا تماماً، حريصون على “البتراء” فهي بمثابة احد ابنائهم، وبالتالي فإنهم ارادوا ان يعبروا عن خونهم عليها باستدعاء “غول البيع” وهي رسالة اتمنى ان تكون لامست اسماعنا، ووجدت لدينا ما تستحقه من اهتمام، اما المسألة الثانية فهي ان قضية “البيع” تم استدعاؤها لتخويفنها اولاً، ثم لتنبيهنا الى مشكلة “ التعزيم” : هذه التي دفع ثمنها الناس هناك –ولا يزالون- دون ان تجد طريقها للحل، وربما يكون ثمة ارتباط بين القضيتيين في مخيلة كثيرين قاموا ببيع اراضيهم او رهنها للدائنين، لكن هذا الارتباط، وإن كان البعض يؤكده بمادة جرى اضافتها على قانون الاقليم تتيح للاجانب شراء الاراضي هناك، الاّ انها مجرد شكوك لم يثبت عليها دليل حتى الآن.
ليس لدي ما اضيف على ما كتبته سابقاً حول مشكلة “التعزيم” سواء من جهة هؤلاء الذين استغلوا حاجة الاهالي “للكسب” السريع، واستثمروا في فقرهم وعوزهم وربما جهل بعضهم، او من جهة الناس الذين وقعوا في “فخ” الطمع، وهربوا من “الفقر” الى ما هو اسوأ منه، لكن بقي ان اشير الى دور الحكومة في القضية، سواءً خلال السنوات الثلاثة التي جرت فيه عمليات البيع والشراء المشبوهة، او بعد ذلك حين انكشف المستور، وتم القبض على “التجار” واودع بعضهم في السجن، ثم ما جرى من محاولات لحل القضية ..وصولاً الى الاحتجاجات التي قام بها المتضررون هناك وآخرها “مسيرة” السيارات يوم الخميس الماضي، لكن الازمة لا تزال مفتوحة ومحاولات تطويقها يبدو انها فشلت حنى الان.
كان يمكن –بالطبع- ان تتحرك الحكومة باتجاه ايجاد حلول “منصفة” لكل الاطراف، وان تنزع فتيل الازمة بأقل ما يمكن من خسائر، لكن المشكلة انها لم تفعل ذلك، او انها تأخرت كثيراً، لدرجة اصبح فيها الناس هناك “ينسجون” قصصاً مثيرة حول “القضية”، سواءً من جهة “القوى” الخفية التي شاركت فيها، او من جهة الاهداف التي تقف وراءها، ومن المفارقات هنا ان احد هذه الاهداف التي يتناقلها الناس هو “بيع” المدينة الوردية...
في ضوء غياب المعلومات الصحيحة، وقع الاهالي هناك في مصيدة الشائعات، واصبح كل واحد منهم جاهزا تماما لتصديق اي “قصة” حول الموضوع، وتحول المجتمع الذي اعتاد على العمل بصمت في خدمة السياحة والترزق منها الى مجتمع غاضب, وعاطل عن العمل، ليس فقط لتعطل حركة السياحة، وانما ايضا بسبب الاحساس بالخيبة من الذين تركوه وحيدا يواجه مشاكله دون مساعدة، والاحساس بالقهر من التجار الذين “اكلوا الكعكة “ دون ان يحاسبهم احد.
اخشى ما اخشاه ان تصبح ازمة الوادي ازمة مفتوحة، تماما كما حدث في معان، وان نجد انفسنا في اهم منطقة سياحية امام “ بؤرة “ غضب جديدة، والخطر هنا لا يتعلق بالمجال السياحي، وانما بالمجالات الاجتماعية والامنية، والمقصود هنا مفهوم، ولا اريد ان ادخل في تفاصيله، لكن المهم ان نستدرك الموضوع ونبادر الى نزع الفتيل قبل ان يتحول -لا سمح الله - الى قنبلة قابلة للانفجار في اية لحظة.
اذا سألتني عن سبب خشيتي سأجيبك بصراحة ان المسألة لا تتعلق بمشكلة يعاني منها اهل وادي موسى فقط، وانما بحالة عامة من التهميش الذي يشعر به اهل الجنوب عموما، لا تقل لي – بالطبع – عن “ عموم البلوى” التي يعاني منها الناس في بلادنا بسبب البطالة والفقر وعجز الحكومات عن الوصول اليهم وترميم الثقة معهم، فهذا كله مفهوم، لكن الحالة في مدن الجنوب وقراه تختلف، سواء من جهة الجغرافيا التي جعلتهم بعيدين عن المركز وعن الخدمات وعن الاهتمام ايضا، او من جهة “ التاريخ “ الذي منحهم شعورا خاصا بالتصاقهم بالدولة، وولّد لديهم – بالتالي- استحقاقات خاصة لهم في رقبة الدولة، وهي معادلة تحتاج الى تفصيل، ليس هذا مكانة، ولكنه ضروري لمعرفة “مزاج “ الناس هناك وفهم كيفية التعامل معهم، واقناعهم بانهم في مركز الاهتمام لا على هوامشه فقط .
(الدستور)
ليس لدي ما اضيف على ما كتبته سابقاً حول مشكلة “التعزيم” سواء من جهة هؤلاء الذين استغلوا حاجة الاهالي “للكسب” السريع، واستثمروا في فقرهم وعوزهم وربما جهل بعضهم، او من جهة الناس الذين وقعوا في “فخ” الطمع، وهربوا من “الفقر” الى ما هو اسوأ منه، لكن بقي ان اشير الى دور الحكومة في القضية، سواءً خلال السنوات الثلاثة التي جرت فيه عمليات البيع والشراء المشبوهة، او بعد ذلك حين انكشف المستور، وتم القبض على “التجار” واودع بعضهم في السجن، ثم ما جرى من محاولات لحل القضية ..وصولاً الى الاحتجاجات التي قام بها المتضررون هناك وآخرها “مسيرة” السيارات يوم الخميس الماضي، لكن الازمة لا تزال مفتوحة ومحاولات تطويقها يبدو انها فشلت حنى الان.
كان يمكن –بالطبع- ان تتحرك الحكومة باتجاه ايجاد حلول “منصفة” لكل الاطراف، وان تنزع فتيل الازمة بأقل ما يمكن من خسائر، لكن المشكلة انها لم تفعل ذلك، او انها تأخرت كثيراً، لدرجة اصبح فيها الناس هناك “ينسجون” قصصاً مثيرة حول “القضية”، سواءً من جهة “القوى” الخفية التي شاركت فيها، او من جهة الاهداف التي تقف وراءها، ومن المفارقات هنا ان احد هذه الاهداف التي يتناقلها الناس هو “بيع” المدينة الوردية...
في ضوء غياب المعلومات الصحيحة، وقع الاهالي هناك في مصيدة الشائعات، واصبح كل واحد منهم جاهزا تماما لتصديق اي “قصة” حول الموضوع، وتحول المجتمع الذي اعتاد على العمل بصمت في خدمة السياحة والترزق منها الى مجتمع غاضب, وعاطل عن العمل، ليس فقط لتعطل حركة السياحة، وانما ايضا بسبب الاحساس بالخيبة من الذين تركوه وحيدا يواجه مشاكله دون مساعدة، والاحساس بالقهر من التجار الذين “اكلوا الكعكة “ دون ان يحاسبهم احد.
اخشى ما اخشاه ان تصبح ازمة الوادي ازمة مفتوحة، تماما كما حدث في معان، وان نجد انفسنا في اهم منطقة سياحية امام “ بؤرة “ غضب جديدة، والخطر هنا لا يتعلق بالمجال السياحي، وانما بالمجالات الاجتماعية والامنية، والمقصود هنا مفهوم، ولا اريد ان ادخل في تفاصيله، لكن المهم ان نستدرك الموضوع ونبادر الى نزع الفتيل قبل ان يتحول -لا سمح الله - الى قنبلة قابلة للانفجار في اية لحظة.
اذا سألتني عن سبب خشيتي سأجيبك بصراحة ان المسألة لا تتعلق بمشكلة يعاني منها اهل وادي موسى فقط، وانما بحالة عامة من التهميش الذي يشعر به اهل الجنوب عموما، لا تقل لي – بالطبع – عن “ عموم البلوى” التي يعاني منها الناس في بلادنا بسبب البطالة والفقر وعجز الحكومات عن الوصول اليهم وترميم الثقة معهم، فهذا كله مفهوم، لكن الحالة في مدن الجنوب وقراه تختلف، سواء من جهة الجغرافيا التي جعلتهم بعيدين عن المركز وعن الخدمات وعن الاهتمام ايضا، او من جهة “ التاريخ “ الذي منحهم شعورا خاصا بالتصاقهم بالدولة، وولّد لديهم – بالتالي- استحقاقات خاصة لهم في رقبة الدولة، وهي معادلة تحتاج الى تفصيل، ليس هذا مكانة، ولكنه ضروري لمعرفة “مزاج “ الناس هناك وفهم كيفية التعامل معهم، واقناعهم بانهم في مركز الاهتمام لا على هوامشه فقط .
(الدستور)