2024-12-25 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

مشروع وطني اردني : هل نحن جاهزون حقا..؟!

حسين الرواشدة
جو 24 : حان الوقت لكي يفكر الاردنيون جديا بالتوافق على مشروع وطني جامع يتوحدون حوله ويفرزون افضل ما لديهم لخدمة بلدهم ، وهذه ليست مجرد امنية او رغبة وانما حاجة وضرورة ملحة ايضا . تحتاج هذه الدعوة الى توضيح ، فالمشروع المطلوب لا بد ان يستند الى “ قضية “ تشكل نقطة التقاء يجتمع الاردنيون عليها ، واعتقد ان عنوان هذه القضية هو( الدولة ) بكل ما تمثله من جوامع ومشتركات ، وقيم ومصالح. ثم انه يحتاج الى نخب وطنية تحمله وتتبناه ،وهذه النخب يمكن ان تتشكل من “ كتلة تاريخية “ تضع لها هدفا واحدا هو بناء الدولة الاردنية على اساس مدني ديمقراطي وفي اطار هوية واضحة ترفض التقسيم على الجغرافيا او الدين او الطائفة او القبيلة، واذا كان المجتمع هو المسؤول عن انتاج هذا المشروع وتحديد مضامينه واهدافه فان على الدولة ايضا باجهزتها المختلفة ان تحتضنه وترعاه وتنسجم معه في قراراتها وتشريعاتها المختلفة . من المفارقات ان كل شعب له هوية يتوحد على اساسها ، وقضية يدافع عنها ، ودائرة وطنية كبرى يتميز بها عن غيره ، لكن الاردنيين ما زالوا للاسف بلا هوية جامعة ،وبلا قضية محددة ، وبلا دائرة وطنية يحتشدون فيها، وباستثناء ما يعبرون عنه من وحدة وجدانية في الازمات فان انتماءاتهم تتوزع على خرائط مختلفة واحيانا متناقضة ،كما ان مزاجهم العام يخضع لاعتبارات تتجاوز في الغالب حدودهم وتصب احيانا خارجها . من المفارقات ايضا ان احزابنا التي وضعت صفة “ الاردني “ فقط في اواخر اسمائها ما تزال تنتسب الى مذاهب فكرية وسياسية مستوردة ، بعضها مات فعلا، وبعضها يتناقص مع قيم الدولة الاردنية ومصالحها، كما ان الاسلاميين الذين شكلوا في لحظة ما نموذجا للوحدة الوطنية استقالوا من هذا الدور لدرجة ان مما حدث مؤخرا صدمنا واعادنا الى السؤال المر عن الهوية والقضية والمشروع الاردني . هنا لابد ان ندقق في مفارقة اخرى “تاريخية” وهي ان الذين يتقدمون اليوم للدعوة الى بناء تيار سياسي كرافعة للمشروع الوطني الاردني هم من الاسلاميين الذين ضاق بهم التنظيم الحزبي وضاقت بهم اطر “ الجماعة” ، وهنا فقط يمكن ان نفهم “صحوة” بعض هؤلاء الاسلاميين على القضية الاردنية كأولوية،مع الانفتاح على قضايا الامة، لكن دون ان تبتلع هذه القضايا “الهمّ” الوطني،او ان توظفه لاغراض اخرى. هل يمكن ان ينجح “الاسلاميون” في هذه المهمة التي فشل فيها غيرهم؟ مع انني اتمنى ذلك، الاّ انني اشك في قدرتهم على النجاح، ولدي سببان : الاول ان تجربة حزب جبهة العمل الاسلامي حين انطلقت مطلع التسعينيات انتهت بعد عام واحد فقط الى “التحصن” داخل اطار جماعة الاخوان المسلمين،بعد ان كان يفترض ان تكون نموذجاً “لمشروع سياسي وطني جامع”،وبالتالي فإن اي تجربة جديدة يمكن ان تقع في “الفخ” ذاته،أما السبب الثاني فهو ان “الاسلاميين” مهما حسنت نواياهم لا يستطيعون ان يخرجوا من دائرة “الاسلام السياسي” وبالتالي فإن ثقة “الشركاء” بهم ستظل مجروحة،كما ان قدرتهم على “تأطير” المشروع الوطني بمعزل عن “تقمص” تجربتهم ومرجعيتهم تبدو ضعيفة ومتواضعة. اذاً ،من يستطيع ان ينهض بهذا المشروع، وكيف يمكن ان نفرز “كتلة” تاريخية عابرة للأحزاب والديموغرافيا والولاءات الفرعية والمصالح الذاتية، وقادرة على طرح نفسها على “المجتمع” وانتزاع اعترافه وقبوله،وقادرة ايضاً على التماهي مع قيم الدولة ومصالحها؟ مع ان هذه مهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة، خاصة اذا ما ادركت الدولة اولاً والمجتمع ثانياً ان افراز مثل هذه “الكتلة التاريخية” مصلحة عليا وضمانة لحماية البلد وتحقيق ما يلزمه من تحول سياسي وتنمية وامن واستقرار. بقي لدي ثلاث ملاحظات على الهامش ، الاولى اننا “تعبنا” على مدى السنوات الماضية من “التنظير” في قضايانا ، وانشغلنا كثيرا بالحوارات والسجالات واعطاء الوصفات والاقتراحات التي لم يَرَ غالبها النور ، وقد حان الوقت لكي نفكر - جديا - بانتاج مشروع وطني جامع ، يتغذى من كل مقومات بلدنا وانجازاته ، من الفن الذي أهملناه ، والأغاني التي تحولت - للاسف - الى وجبة ثقيلة للشحن وادامة “التلبك” الوطني ، والدين الذي أصبح خطابه مملا وغير مقنع كما يظهر في أنماط تديننا وخطب منابرنا وعظات بعض “الفاعلين” في مجال الدين ، ثم من الثقافة هذه التي تعاني من “فقر” مدقع ، ليس فيما يخصص لها من “اموال” وانما فيما تشهده من ضحالة افكار ومن تراجع في الابداع. الملاحظة الثانية هي اننا وان كنا قد حسمنا مسألة (الشرعية) بالنسبة للدولة الا أننا لم ننجح بعد (لا تسأل لماذا؟) في حسم كثير من القضايا التي ما تزال معلقة ، ومن أبرزها قضيتا الهوية والانتماء: وهما اساسان لبناء الشخصية الوطنية - ان شئت (المواطنة) - وتمكين المجتمع الدولة من بناء مشروعنا الوطني ، والسبب في ذلك قد يكون ذاتيا وقد يكون - أيضا - متعلقا بظروف خارجية ضاغطة لم تترك لبلدنا حرية الحسم والاختيار. اما الملاحظة الاخيرة فهي أن انتاج أي مشروع وطني قابل للحياة يحتاج الى تجاوز أو وضع المعالجات الحقيقية لأهم القضايا التي تشغل المواطن الاردني وهي: الفقر والبطالة والتعليم والطبابة: ذلك أنه لا يمكن أن ننتظر من الناس ان ينصهروا في أي مشروع وطني الا اذا انتهوا من تحصيل حقوقهم البسيطة واطمأنوا الى حاضرهم لكي يفكروا في مستقبلهم، واقتنعوا - ايضا - بأنهم شركاء حقيقيون ومواطنون لا مجرد متفرجين.
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير