الأردن وسياسة «الحياد المتحرك»..
حسين الرواشدة
جو 24 : لا ادري اذا كان في معجم السياسة مواقف “ حيادية” متنقلة ومتحولة، لكن المؤكد ان موقف الاردن حيال ما يجري في الاقليم من تحالفات يمكن وصفه “ بالحياد” المتحرك، بعد ان سبق والتزم بالحياد الايجابي على مدى السنوات الماضية.
لا يمكن، بالطبع ان يظل الاردن محايدا، بالمعنى الصرف للكلمة، لا سلبيا ولا ايجابيا، كما لا يمكن ان ينحاز تماما لاي تحالف او جهة، او ان ينساق الى معادلة “معنا او ضدنا “، الاسباب بالطبع مفهومة، سواء تعلقت بالسمة التاريخية للسياسة الاردنية “ المتوازنة”، او بالموقع الجيوسياسي والامكانيات المحدودة وحساسية العلاقات “ البينية” مع القوى الاقليمية والدولية، وبالتالي فان خيارات مواجهة الاحداث المتسارعة فرضت عليه اتخاذ مواقف “ متنوعة” في سياق الحياد المتحرك بين المحاور .
حين ندقق اكثر في خريطة المواقف (اضطرارات كانت ام خيارات) نجد ان الاردن حافظ على علاقات متوازنة (بالحد الادنى ) مع معظم اللاعبين في الصراع داخل سوريا، وحدد تنظيم داعش فقط كهدف لمشاركته في التحالف الدولي، وحين دخلت روسيا على “ الخط “ بشكل مباشر حاول ان يوازن بين موقفه “ المؤيد” للتدخل الروسي وبين تحفظات الشركاء العرب، وابرزهم الشقيقة السعودية، لكن مع انكشاف العلاقات مع طهران اثر اختلال ميزان العلاقات بينها وبين المملكة العربية السعودية، لم يتسرع الاردن في “ الانحياز” التام لاي طرف، واكتفى بتأييد الشقيقة السعودية واستدعاء السفير الايراني بعمان، صحيح ان هذا الموقف لم يكسب رضا الطرفين بالشكل المطلوب، لكن هذا “ الحياد” المتنقل بين الاطراف الفاعلة منح الاردن مساحة اوسع للحركة، وجنبه الدخول في اصطفافات المحاور التي لا يستطيع ان يسدد فواتيرها، ناهيك انه غير مقتنع بها اساسا.
في حسابات الربح والخسارة،يضمن الحياد المتنقل والمتنوع للاردن عدم استعداء اي طرف ضده، ولعب ادوار سياسية تتناسب مع مصالحه الوطنية، والتحوط من اية “ تحولات” ممكنة في المستقبل على صعيد “ لعبة” التسويات والقوى الصاعدة في المنطقة، فهو من جهة يستفيد من “ حزم “ روسيا في حربها لفرض عملية سياسية تتناسب مع طموحاتها ومصالحها، كما يستفيد من امتداد نفوذ ايران وخاصة اذا ما وصلت الى الحدود الاردنية عبر “ الميليشيات” التي تحركها، لمنع اي تهديد لامنه، كما انه يحافظ ( ولا بالحد الادنى) على علاقته مع انقره والدوحة، فيما تظل علاقاته مع الرياض مسألة استراتيجية لا يمكن تجاوزها او التفريط فيها.
هذا على صعيد الارباح، اما الخسائر فاعتقد ان هذا الحياد “المتحرك” سيضع العلاقات الاردنية مع السعودية – مثلا- امام “ امتحان “ صعب، لا سيما وان المواجهة بين الرياض وطهران مرجحة للاستمرار، فيما لا يبدو ان السعودية ستقبل بمنطق “ الحياد” من اي طرف في هذه المواجهة، مما يرتب على الاردن استحقاقات قد لا يكون بمقدوره في ظل مخاوف تأجيج الصراع السني الشيعي ان يقبلها او يدفعها، كما ان هذا الحياد سيضع الاردن في اطار “تحالف” الاعتدال الذي يضم مصر والامارات؛ ما يضطره الى الابتعاد شيئا فشيئا عن خط الرياض انقرة الدوحة ويرتب عليه التساوق مع رؤية هذا التحالف ومع اهدافه ايضا،.
تبقى المسألة الثالثة وهي ان مثل هذا النوع من الحياد الذي يتنقل تبعا للظروف والاحداث قد يقع في مصيدة خطأ التقديرات، كما انه في لحظة ما قد يتسبب في خسارة اطراف مهمة، او قد يفهم في اطار “ الاستعداء “ مما يفضي الى خسارات غير محسوبة .
احيانا يبدو الحياد المتحرك غير مفهوم، او انه يتسم بالغموض المقصود، وربما نحتاج احيانا الى توضيح خياراتنا بشكل يسمح لنا بالخروج من المنطقة “الرمادية “ التي غالبا ما تكون جاذبة للاتهامات، لكن في ضوء الحركة “ الرملية “ للتحالفات القائمة، وغياب الاستقرار في المعادلات السياسية الاقليمية والدولية وتصاعد حدود الصراعات في الجوار، لا يبدو من السهل على دولة كالاردن ان “تغامر” بخياراتها، وانما ستحتاج دائما الى المناورة باعتبار ان ما يترتب عليها من خسائر سيكون اقل في هذه الحالة من “التصلب” باتجاه طرف او حلف، مهما كان وزنه الاستراتيجي مهما بالنسبة للاردن.
باختصار، سيبقى الاردن في المرحلة الحالية على مسافات مختلفة من الاطراف الاقليمية والدولية التي دخلت في لعبة الصراع في المنطقة وعليها،وسيجرب الحياد المتحرك بينها، تبعا لتقديراته ومصالحه، لكنه لن يضع مواقفه في “ سلة واحدة “ لان الرهانات على انتصار اي طرف لا تبدو مأمونة ولا مفيدة ايضا .
الدستور
لا يمكن، بالطبع ان يظل الاردن محايدا، بالمعنى الصرف للكلمة، لا سلبيا ولا ايجابيا، كما لا يمكن ان ينحاز تماما لاي تحالف او جهة، او ان ينساق الى معادلة “معنا او ضدنا “، الاسباب بالطبع مفهومة، سواء تعلقت بالسمة التاريخية للسياسة الاردنية “ المتوازنة”، او بالموقع الجيوسياسي والامكانيات المحدودة وحساسية العلاقات “ البينية” مع القوى الاقليمية والدولية، وبالتالي فان خيارات مواجهة الاحداث المتسارعة فرضت عليه اتخاذ مواقف “ متنوعة” في سياق الحياد المتحرك بين المحاور .
حين ندقق اكثر في خريطة المواقف (اضطرارات كانت ام خيارات) نجد ان الاردن حافظ على علاقات متوازنة (بالحد الادنى ) مع معظم اللاعبين في الصراع داخل سوريا، وحدد تنظيم داعش فقط كهدف لمشاركته في التحالف الدولي، وحين دخلت روسيا على “ الخط “ بشكل مباشر حاول ان يوازن بين موقفه “ المؤيد” للتدخل الروسي وبين تحفظات الشركاء العرب، وابرزهم الشقيقة السعودية، لكن مع انكشاف العلاقات مع طهران اثر اختلال ميزان العلاقات بينها وبين المملكة العربية السعودية، لم يتسرع الاردن في “ الانحياز” التام لاي طرف، واكتفى بتأييد الشقيقة السعودية واستدعاء السفير الايراني بعمان، صحيح ان هذا الموقف لم يكسب رضا الطرفين بالشكل المطلوب، لكن هذا “ الحياد” المتنقل بين الاطراف الفاعلة منح الاردن مساحة اوسع للحركة، وجنبه الدخول في اصطفافات المحاور التي لا يستطيع ان يسدد فواتيرها، ناهيك انه غير مقتنع بها اساسا.
في حسابات الربح والخسارة،يضمن الحياد المتنقل والمتنوع للاردن عدم استعداء اي طرف ضده، ولعب ادوار سياسية تتناسب مع مصالحه الوطنية، والتحوط من اية “ تحولات” ممكنة في المستقبل على صعيد “ لعبة” التسويات والقوى الصاعدة في المنطقة، فهو من جهة يستفيد من “ حزم “ روسيا في حربها لفرض عملية سياسية تتناسب مع طموحاتها ومصالحها، كما يستفيد من امتداد نفوذ ايران وخاصة اذا ما وصلت الى الحدود الاردنية عبر “ الميليشيات” التي تحركها، لمنع اي تهديد لامنه، كما انه يحافظ ( ولا بالحد الادنى) على علاقته مع انقره والدوحة، فيما تظل علاقاته مع الرياض مسألة استراتيجية لا يمكن تجاوزها او التفريط فيها.
هذا على صعيد الارباح، اما الخسائر فاعتقد ان هذا الحياد “المتحرك” سيضع العلاقات الاردنية مع السعودية – مثلا- امام “ امتحان “ صعب، لا سيما وان المواجهة بين الرياض وطهران مرجحة للاستمرار، فيما لا يبدو ان السعودية ستقبل بمنطق “ الحياد” من اي طرف في هذه المواجهة، مما يرتب على الاردن استحقاقات قد لا يكون بمقدوره في ظل مخاوف تأجيج الصراع السني الشيعي ان يقبلها او يدفعها، كما ان هذا الحياد سيضع الاردن في اطار “تحالف” الاعتدال الذي يضم مصر والامارات؛ ما يضطره الى الابتعاد شيئا فشيئا عن خط الرياض انقرة الدوحة ويرتب عليه التساوق مع رؤية هذا التحالف ومع اهدافه ايضا،.
تبقى المسألة الثالثة وهي ان مثل هذا النوع من الحياد الذي يتنقل تبعا للظروف والاحداث قد يقع في مصيدة خطأ التقديرات، كما انه في لحظة ما قد يتسبب في خسارة اطراف مهمة، او قد يفهم في اطار “ الاستعداء “ مما يفضي الى خسارات غير محسوبة .
احيانا يبدو الحياد المتحرك غير مفهوم، او انه يتسم بالغموض المقصود، وربما نحتاج احيانا الى توضيح خياراتنا بشكل يسمح لنا بالخروج من المنطقة “الرمادية “ التي غالبا ما تكون جاذبة للاتهامات، لكن في ضوء الحركة “ الرملية “ للتحالفات القائمة، وغياب الاستقرار في المعادلات السياسية الاقليمية والدولية وتصاعد حدود الصراعات في الجوار، لا يبدو من السهل على دولة كالاردن ان “تغامر” بخياراتها، وانما ستحتاج دائما الى المناورة باعتبار ان ما يترتب عليها من خسائر سيكون اقل في هذه الحالة من “التصلب” باتجاه طرف او حلف، مهما كان وزنه الاستراتيجي مهما بالنسبة للاردن.
باختصار، سيبقى الاردن في المرحلة الحالية على مسافات مختلفة من الاطراف الاقليمية والدولية التي دخلت في لعبة الصراع في المنطقة وعليها،وسيجرب الحياد المتحرك بينها، تبعا لتقديراته ومصالحه، لكنه لن يضع مواقفه في “ سلة واحدة “ لان الرهانات على انتصار اي طرف لا تبدو مأمونة ولا مفيدة ايضا .
الدستور