اهـــــلا وســــهــــلا..!!
حسين الرواشدة
جو 24 : ما ان كدنا ننتهي من “معزوفة” المملكة تريد ان تتمدد وتوسع : هذه التي روّج لها البعض في اطار الرغبة بتطويع الجغرافيا ، حتى تفاجأنا بقصة( المكونات) : هذه التي رفعت شعار “ التسمين” في اطار الاستثمار بالديموغرافيا.
حين ندقق بالروايتين : رواية التوسع ورواية التسمين ، او رواية الجغرافيا ورواية الديموغرافيا ، نكتشف ان “ المايسترو” الذي حرّك طاقم الكومبارس واحد ، وان “الاغنية “ التي سمعناها كانت رديئة بامتياز ، كما ان الهواجس التي حرّكت هؤلاء الذين يتقنون لعبة “ السيرك “ كانت مزيجا من العبث والشماتة ، فالاردن الوطن بالنسبة لهؤلاء ليس اكثر من محطة سياحية ، وهم امامه مثل السياح تماما ، لا تربطهم به سوى لحظة اعجاب عابرة ، ثم ينصرفون عنه للبحث عن “لقطة” اخرى ، ويضيفون اليها من خيالاتهم ما يناسب رغباتهم ، وشتان بين علاقة حب تفضي الى زواج ابدي ، وعلاقة اعجاب لا تستقر الا لحظة في الذاكرة.
ان اسوأ ما يمكن ان يتصوره الاردني، اي اردني مخلص، هو ان يتحول الوطن - تحت رغبة الذين لا يرونه الا في اطار الجغرافيا والديمواغرافيا - الى “ مكونات” تتصارع على المصالح ، والى حارات تبحث عن حصصها في الكعكة ، والى اوطان بديلة ليست اكثر من اسواق او شركات او بازارات للمفاضلة والمناكفة والمتاجرة.
الاردن ، الوطن، لا يحتاج الى مساحات جديدة من الاراضي لكي يصبح في عيون الاردنيين اجمل واقوى ، ولا الى سكان جدد حتى تتحرك فيه انفاس الامبراطورية، ولا الى نفوذ مصطنع حتى يثير اعجاب القادمين اليه وحقائبهم ما زالت بأيديهم او احترام “المتفرجين “ عليه من الشبابيك ، الاردن الذي بناه الاردنيون بتعبهم وصبرهم وفقرهم ، اكبر واجمل واقوى من الطموحات الزائفة ، ومن المزايدات المغشوشة ، ومن “كذبة” المكونات ذات الجينات الذكية والمبدعة ، وكأن الاردنيين - حاشا - مجرد مجاميع من الكسالى وقليلى الحيلة ، وهم بالتالي بحاجة لمن يفكر بالنيابة عنهم ، او لمن يعلمهم القراءة والكتابة ، او لمن يبني لهم لهم بلدهم ويوقظهم من سباتهم ويدلهم على طريق العمل والابداع والصواب.
يريد البعض ان يشطب الاردن التاريخ لكي يستبدله بالاردن الجغرافيا والاردن “ المكونات “ ، ويريد آخرون ان يتحرر الاردنيون الاصيل من “طينتة “ التي خرج منها لكي يصبح “هجينا “ او مجرد رقم في تعداد سكاني ، ويريد طرف ثالث ان نشعر بأننا مجرد “اقلية” تتقاسم مع غيرها من الاقليات ما قدّر لها من نصيب.
حين فتح الاردنيون ابواب بيوتهم، وقلوبهم ايضا ، للمهاجرين والمشردين والباحثين عن مأوى وللاحرار الذين ضاقت بهم اوطانهم ،وبادروهم بالتحية والسلام ، لم يخطر في بالهم ابدا ان تتحول الزيارات الى اقامات ، لكنهم قبلوا بدافع عروبتهم التي تأبى الا اكرام الضيف ، وحين التمّ الشمل واتسعت الدار لكل من دخل اليها ، وحتى حين تصدّر البعض وحاول ان يتختطف الدار بمن فيها ، عضّ الاردنيون على جرحهم ، وتقاسموا الرغيف مع ضيوفهم ، ولم تمنعهم العاديات من ان يمدوا بساطهم للقادمين وعلى محياهم ترتسم النخوة على صورة ابتسامة تردد : اهلا وسهلا..!
الان ، حان الوقت لكي يصرخ الاردنيون من اعماق قلوبهم المثقلة بالتعب والعتب والغضب : نحن موجودون في التاريخ وفي الجغرافيا ، لا نريد ان نتمدد ولا ان “نتسمن” ، نريد ان نحافظ على وطن ليس لنا غيره ، ذلك انه من المفارقات ان كل شعب له هوية يتوحد على اساسها ، وقضية يدافع عنها ، ودائرة وطنية كبرى يتميز بها عن غيره، لكن الاردنيين وحدهم - دون شعوب الدنيا - ما زالون يخجلون من ابراز هويتهم ، لانهم حين يقولون نحن اردنيون يتهمون بانهم عنصريون ، وما زالوا يبحثون عن قضية توحدهم ومشروع يحتشدون خلفه، لقد حان الوقت فعلا لكي يقول الاردنيون كلمتهم ويعبرون عن انتمائهم لوطنهم واعتزازهم بتاريخهم بلا خوف ولا خجل.
ما زال الاردنيون يرددون : اهلا وسهلا، حتى وان ضاقت ذات اليد عن تقديم اية مساعدة، وحتى لو مدّ” الراكبون “ ايديهم الى “الخرج” ، فهم يعرفون بفطرتهم ان هذا الوطن وطنهم مهما تناسلت احاديث “المكونات” مزيدا من العقوق والنكران ، ومهما ردد الشامتون على مسمع منهم تهمة “ التسول” ، ومهما وقفوا امام المرايا الحزينة ورأوا صورتهم ، ذات الصورة ، على شكل رغيف ، مجرد رغيف يركض وهم يركضون خلفة بلا جدوى..
الدستور
حين ندقق بالروايتين : رواية التوسع ورواية التسمين ، او رواية الجغرافيا ورواية الديموغرافيا ، نكتشف ان “ المايسترو” الذي حرّك طاقم الكومبارس واحد ، وان “الاغنية “ التي سمعناها كانت رديئة بامتياز ، كما ان الهواجس التي حرّكت هؤلاء الذين يتقنون لعبة “ السيرك “ كانت مزيجا من العبث والشماتة ، فالاردن الوطن بالنسبة لهؤلاء ليس اكثر من محطة سياحية ، وهم امامه مثل السياح تماما ، لا تربطهم به سوى لحظة اعجاب عابرة ، ثم ينصرفون عنه للبحث عن “لقطة” اخرى ، ويضيفون اليها من خيالاتهم ما يناسب رغباتهم ، وشتان بين علاقة حب تفضي الى زواج ابدي ، وعلاقة اعجاب لا تستقر الا لحظة في الذاكرة.
ان اسوأ ما يمكن ان يتصوره الاردني، اي اردني مخلص، هو ان يتحول الوطن - تحت رغبة الذين لا يرونه الا في اطار الجغرافيا والديمواغرافيا - الى “ مكونات” تتصارع على المصالح ، والى حارات تبحث عن حصصها في الكعكة ، والى اوطان بديلة ليست اكثر من اسواق او شركات او بازارات للمفاضلة والمناكفة والمتاجرة.
الاردن ، الوطن، لا يحتاج الى مساحات جديدة من الاراضي لكي يصبح في عيون الاردنيين اجمل واقوى ، ولا الى سكان جدد حتى تتحرك فيه انفاس الامبراطورية، ولا الى نفوذ مصطنع حتى يثير اعجاب القادمين اليه وحقائبهم ما زالت بأيديهم او احترام “المتفرجين “ عليه من الشبابيك ، الاردن الذي بناه الاردنيون بتعبهم وصبرهم وفقرهم ، اكبر واجمل واقوى من الطموحات الزائفة ، ومن المزايدات المغشوشة ، ومن “كذبة” المكونات ذات الجينات الذكية والمبدعة ، وكأن الاردنيين - حاشا - مجرد مجاميع من الكسالى وقليلى الحيلة ، وهم بالتالي بحاجة لمن يفكر بالنيابة عنهم ، او لمن يعلمهم القراءة والكتابة ، او لمن يبني لهم لهم بلدهم ويوقظهم من سباتهم ويدلهم على طريق العمل والابداع والصواب.
يريد البعض ان يشطب الاردن التاريخ لكي يستبدله بالاردن الجغرافيا والاردن “ المكونات “ ، ويريد آخرون ان يتحرر الاردنيون الاصيل من “طينتة “ التي خرج منها لكي يصبح “هجينا “ او مجرد رقم في تعداد سكاني ، ويريد طرف ثالث ان نشعر بأننا مجرد “اقلية” تتقاسم مع غيرها من الاقليات ما قدّر لها من نصيب.
حين فتح الاردنيون ابواب بيوتهم، وقلوبهم ايضا ، للمهاجرين والمشردين والباحثين عن مأوى وللاحرار الذين ضاقت بهم اوطانهم ،وبادروهم بالتحية والسلام ، لم يخطر في بالهم ابدا ان تتحول الزيارات الى اقامات ، لكنهم قبلوا بدافع عروبتهم التي تأبى الا اكرام الضيف ، وحين التمّ الشمل واتسعت الدار لكل من دخل اليها ، وحتى حين تصدّر البعض وحاول ان يتختطف الدار بمن فيها ، عضّ الاردنيون على جرحهم ، وتقاسموا الرغيف مع ضيوفهم ، ولم تمنعهم العاديات من ان يمدوا بساطهم للقادمين وعلى محياهم ترتسم النخوة على صورة ابتسامة تردد : اهلا وسهلا..!
الان ، حان الوقت لكي يصرخ الاردنيون من اعماق قلوبهم المثقلة بالتعب والعتب والغضب : نحن موجودون في التاريخ وفي الجغرافيا ، لا نريد ان نتمدد ولا ان “نتسمن” ، نريد ان نحافظ على وطن ليس لنا غيره ، ذلك انه من المفارقات ان كل شعب له هوية يتوحد على اساسها ، وقضية يدافع عنها ، ودائرة وطنية كبرى يتميز بها عن غيره، لكن الاردنيين وحدهم - دون شعوب الدنيا - ما زالون يخجلون من ابراز هويتهم ، لانهم حين يقولون نحن اردنيون يتهمون بانهم عنصريون ، وما زالوا يبحثون عن قضية توحدهم ومشروع يحتشدون خلفه، لقد حان الوقت فعلا لكي يقول الاردنيون كلمتهم ويعبرون عن انتمائهم لوطنهم واعتزازهم بتاريخهم بلا خوف ولا خجل.
ما زال الاردنيون يرددون : اهلا وسهلا، حتى وان ضاقت ذات اليد عن تقديم اية مساعدة، وحتى لو مدّ” الراكبون “ ايديهم الى “الخرج” ، فهم يعرفون بفطرتهم ان هذا الوطن وطنهم مهما تناسلت احاديث “المكونات” مزيدا من العقوق والنكران ، ومهما ردد الشامتون على مسمع منهم تهمة “ التسول” ، ومهما وقفوا امام المرايا الحزينة ورأوا صورتهم ، ذات الصورة ، على شكل رغيف ، مجرد رغيف يركض وهم يركضون خلفة بلا جدوى..
الدستور