2024-12-25 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

هذه مفاتيح شخصيتنا العامة..!!

حسين الرواشدة
جو 24 : المجتمعات لا تستعيد عافيتها بالقرارات او الاجراءات، ولا بالنوايا الطيبة والامنيات، وانما تستعيدها بتجديد حيويتها، وبناء أفكار تناسب تطورها، وهي لا تستطيع ان تفعل ذلك الا اذا تحررت من العقد والتقاليد المغشوشة التي تجمّد امكانياتها، وتعيق حراكاتها، وتكرس داخلها القيم الغلط وأوهام التقدم وثقافة التواكل والقعود والانانية.
في مجتمعنا مجموعة من العقد لا بد ان نتحرر منها اذا اردنا ان نخرج من مرحلة المراوحة والانتظار الى مرحلة اليقين والفرج، منها عقدة الخوف، فنحن ما زلنا مسكونين بالخوف من شبح الماضي، ومن نذر المستقبل، نخاف من التغيير ونخشى من التجديد، لدينا القدرة – الآن – على انتقاد الحكومات لكننا لا نجرؤ على انتقاد عجزنا الذي تركها تفعل بنا ما تشاء.. الخوف يجعلنا اقل رغبة في التغيير واكثر قبولاً للواقع، واحرص ما نكون على امساك العصا من الوسط.
عقدة الاحساس بالانقسام والتشتت – ايضاً – تطاردنا، صحيح ان لعبة الثنائيات لم تتجاوز حقول السياسة الى مهادنا الاجتماعي، لكن الصحيح ايضاً أننا ما زلنا نشعر بأن مجتمعنا غير موّحد ، واهواءنا ليست واحدة، ومزاجنا العام يمكن العبث به، كل هذا ولّدته سياسات خاطئة، انتجت شعوراً عاماً بوجود ازدواجية في الخيارات، وافتراق بين المكونات، وطلاق صامت بين مختلف الاطراف.
عقدة المظلومية التي كرست داخل مجتمعنا الشعور بالهزيمة والبحث عن المنقذ وانتظاره حتى لو تأخر، ودفعتنا الى العزلة احياناً والى ردود الفعل غير المحسوبة احياناً اخرى، وعمقت فينا جراحات كان من الواجب أن تندمل، وجعلتنا نشك بكل شيء، ونتردد في فعل المطلوب.
عقدة الوهم ،هذه التي افرزتها انطباعات غير صحيحة في غياب الحقائق، وارقام واحصائيات ليست دقيقة لتطمين الناس على حاضرهم، ورغبة داخلنا للتغطية على الفشل وصناعة الخصم وافحامه بدل الحوار معه، ورؤية الصورة من الزاوية التي تعجبنا، والهروب من الازمات الى حلول مغلوطة، وشراء الامل من دون أن يكون له أي رصيد.
عقدة تجريح الذات، وتكسير الرموز والتيئيس من القدرات والامكانيات، والهروب الى الماضي والاستغراق فيه، وتنامي قابلية الطاعة والاستسلام والقناعة بقلة الحيلة، والتحرر من الواجبات والالتزامات، والانكفاء والعزوف عن المشاركة في العمل والهم العام، والتجرد من روح المغامرة.
عقدة الفردانية فنحن كافراد لدينا كفاءات وطاقات تعمل وتنجح، لكننا نكره الاجتماع ونخشى من التنظيم ونشكك في الجماعات، ونؤمن بالعمل الفردي ونهرب من المؤسسية ، سياساتنا يصنها افراد ويهدمها افراد، تديننا يقوم على الخلاص الفردي، جهودنا تنصب في خدمة الافراد ، أما المجال العام فآخر ما نفكر فيه.
عقدة الازدواجية فنحن نرفض الشيء ونقبله معاً، ونحن نقول الشيء ونفعل عكسه احياناً، افكارنا مشوشة، وكأن داخلنا اشخاصا متشاكسين ، لا نعرف ماذا نريد حقاً، ولا الى اين نسير، كثيرون منا شتموا المناصب الرسمية ثم وقعوا في احضانها ، نحن مع المعارضة ونحن ضدها، مع الاحزاب ولكننا لا ندخل فيها، مع الإصلاح ومحاربة الفساد لكننا سرعان ما نكفر به وندافع عن الفاسدين متى ما كانوا اقرباءنا.. وهكذا.
في المقابل ثمة تقاليد(قيم مغشوشة ان شئت) اصبحت تهدد سلامة مجتمعنا واستقراره ، من ابرزها قيمة (التطنيش) التي اصبحت سائدة في بلادنا لدرجة ان احدنا صار يتوقع بأن الحل الوحيد لمواجهة اية قضية هو (تطنيشها) واهمالها ، وعدم الخوض فيها ، باعتبار ان سخونتها مهما تكن عالية فانها مع مضيّ الوقت ستبرد شيئا فشيئا حتى تصل الى درجة (الجمودة) التي تعني بالمفهوم العام الشطب والنسيان.
من القيم ايضا قيمة (التنفيس) وهذه تستخدم كبديل (للتنفس) الطبيعي ، ومن خلالها تفتح بعض (المسارب) والقنوات لتمكين الناس من التخفيف عن مكبوتاتهم والضغوطات التي تواجههم ، بأقل قدر ممكن من (الحرية) سواء لتجنب وصولهم الى الانسداد ، او لمعرفة القضايا التي تهمهم عبر (انفاسهم) المسموح لها بالخروج.
من القيم ايضا قيمة (التهوين) ، اذ ان كل المشكلات الكبيرة التي يعاني منها الناس تبدو (صغيرة) جدا في عيون المسؤول ، فلا حاجة للوقوف عندها او محاسبة من يتورط فيها ، وفي هذه الحالة تسود ثقافة ( الاستهانة) لدى الجميع ، ويتعاملون مع بعضهم بمنطق (اللاجدوى) من كل شيء ويتعطل القانون ليحل محله الاحباط.
هنالك - ايضا - قيمة (التسخين) لكن في اطارها المغشوش ، حيث يتم تعبئة الناس وحشد طاقاتهم ومشاعرهم نحو هدف ما غير مفهوم ، وحين لا يجدون ما يناسبهم من قنوات (لتفريغ) هذه التعبئة يلجأون الى ابواب اخرى غير مشروعة ولعل فهم معادلة (التعبئة) والتسخين هذه يساعدنا في تشخيص ما نعانيه من عنف مجتمعي متصاعد ، ومن فزعات موسمية لا معنى لها.
هنالك ايضا قيم اخرى مثل (التحريض) و(التفريغ) و(الترحيل) و(التعتيم) و(التسويف) و(التمجيد) وكلها تدور في اطار سلبي ، وتشكل نمطا سلوكيا ضارا ، واخطر ما فيها انها (تسكن) كثيرا من رسائلنا التي نوجهها ، وتؤطر حياتنا بشكل مفزع ، وتستنزف طاقاتنا ، وتهدد سلامة مجتمعاتنا وتشكل عائقا امام اي تطور او تقدم او تنمية.
الخروج من هذه العقد والتقاليد المغشوشة والمشكلات الطارئة على شخصيتنا ممكن، لكن هذا يعتمد على رغبتنا بالاعتراف بها ومواجهتها وبناء المناخات السياسية المساعِدة على تجاوزها.. وصولاً الى تصالح مجتمعنا مع ذاته.. واقناعه بأن الحل فيه، وبأنه – وحده – القادر على التغيير.

الدستور
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير