سؤال «الدور الاردني» يحدد موقفنا من الحرب..!
حسين الرواشدة
جو 24 :
يبدو ان لحظة الحقيقة اقتربت، فأمامنا نذر حرب اوشكت ان تشتعل ، وسواء اكنا طرفا فيها ام لا ، فان شرارها او دخانها سيصلنا ، وعليه فان من واجبنا ان ننتبه ، ليس فقط لان الحذر واجب وانما ايضا لان التاريخ الذي انفجر في منطقتنا لن يكون بعيدا عنا ، ولن يكون بمقدور احد ان يمنح احدا "حصانة” من ارتدادات هذا الانفجار الكبير. لاحظ انني لا اتحدث عن الحرب التي الفناها في سوريا وعايشناها على امتداد السنوات الخمسة الماضية ، وقد كانت اطرافها المباشرة مكشوفة ، وهدفها المعلن الحفاظ على النظام او اسقاطه ، وانما اتحدث عن نسخة جديدة لهذه الحرب، او تطور خطير لها، حيث تحولت من حرب نظام وحلفاء يمثلون دولا ضد ميليشيات تدعمها دول بشكل مباشر ، الى حرب شبه "اممية” تتصارع فيها مصالح الدول وجيوشها ، وقد تجرّ الجميع ،بلا استثناء ، الى حافة الهاوية.
حين ندقق في الصورة ، نجد ان امريكا والغرب عموما يجلسون على النظارة كمتفرجين او محرضين ، فيما يحتشد معسكران في الميدان الحربي ، احدهما تمثله روسيا وايران والنظام السوري وحزب الله ، والآخر تمثله السعودية وتركيا وربما تنضم اليه دول عربية واسلامية ، كما نجد ان قنوات الحل السياسي انسدت تماما ، وان المواجهة على الارض او الحرب المباشرة بدأت فعلا ، ليس على صعيد الغارات التركية على الاكراد في الشمال السوري ، وانما من خلال الحرب البرية التي اكدت السعودية اكثر من مرة انها قادمة فعلا ، نجد ايضا ان مسألة فتح الحدود لمرور قوات الحرب البرية ، سواء عبر الاردن او تركيا ، اصبحت مطروحة ، ولا يمكن هنا ان نفهم التهديدات التي اطلقها النظام السوري ضد الاردن وتركيا الا في هذا السياق. يمكن للمتابع ان يسجل ثلاث ملاحظات على تطورات المشهد ، الاولى ان الحرب البرية التي تهدد بها السعودية تبدو - حتى الان - خيارا جديا وليس مجرد تهديدات لتحسين شروط التفاوض على الطاولة ، والهدف الذي تريده السعودية وحلفاؤها لا يتعلق فقط باسقاط "الاسد” ، وانما بتحجيم النفوذ الايراني في المنطقة ، وعدم السماح له بابتلاع دمشق كما ابتلع بغداد وبيروت وصنعاء ، هنا تدرك السعودية ان خيارها سيصطدم في "المستنقع” السوري على صخرتين ، احداهما صخرة التحالف القائم الان دفاعا عن النظام السوري وملحقاته( طبعا عن مصالحه اولا واخيرا) ، والصخرة الاخرى الغموض الامريكي تجاه الملف السوري ، وهو غموض يصل لحد الشماتة بالجميع وربما المؤامرة على الجميع، كما تدرك ايضا ان بناء تحالف عربي او اسلامي مسألة ليست مؤكدة او في متناول اليد ، وبالتالي فان الاعتماد على ظهير سياسي وعسكري يبدو غير مضمون.
الملاحظة الثانية هي ان ساعة الحسم في سوريا اقتربت ، فقد تمكنت روسيا وايران من ضبط الايقاع الحربي لمصلحة النظام ، ويبدو ان ثمة تفاهمات روسية امريكية حول مستقبل سوريا ( والمنطقة عموما ) وبالتالي فان صحوة المعسكر التركي السعودي تبدو مفهومة في سياق محاولة افشال هذه التوافقات او تأخير ساعة النصر التي يتوقع النظام السوري انها اصبحت قريبة ، ومع ان لكل من تركيا والسعودية مصالح وهواجس متباينة احيانا ومتطابقة احيانا اخرى الا ان انكفاء الدولتين عن المواجهة المباشرة ( الحرب البرية تحديدا) او استسلامهما لشروط الواقع الذي فرضته روسيا وايران، سيعني بالضرورة تهديدا مباشرا لهما وانحسارا لنفوذهما ، بل وربما هزيمة قاسية لن يتمكنا بعدها من مباشرة اي دور في المنطقة.
اما الملاحظة الثالثة فهي ان الاردن وسط هذه الاجواء الحربية يجد نفسه حائرا امام خيارات معقدة ، فهو على ما يبدو لا يريد ان يكون طرفا في اية حرب قادمة ، ولا يريد ايضا ان يظل دوره محصورا في ملف اللاجئين فقط ، كما انه لا يمكن ان يقف متفرجا امام النيران التي وصلت الى حدوده ، ولا امام "المفاصلات” التاريخية التي تضعه في مربع "من ليس معنا فهو ضدنا " ، وبالتالي فان سياسة وضع "رجل” هنا واخرى هناك لم تعد مقبولة او مقنعة، كما ان تكلفة الانغماس في "الحرب البرية” او الانحياز لاحد المعسكرين تبدو خطرة وفادحة ، وهي غير ممكنة واقعيا ، الا اذا قرر الاردن تحت ضغط "بؤس” الخيارات ان يحسم موقفه ويتحمل كلفة انحيازه مهما كانت الخسائر، وهذا قد يحدث في حالة واحدة وهي ان يجد الاردن نفسه امام دفاع عن الوجود وليس عن الحدود فقط، واعتقد ان الاجابة على سؤال الحدود والوجود يقرره تصورنا ل”الدور الاردني " في المستقبل ، وعلى ضوئه سيتحدد خيارانا تجاه هذه الحرب، بالمشاركة او بالحياد.
هنا ، ومهما كانت التوقعات والتحليلات ، فان مصير المنطقة سيبقى معلقا بقرار الحرب البرية ، وهذا يعتمد اولا على جدية المعسكر التركي السعودي في الذهاب الى هذا الخيار، وثانيا على حسابات روسيا وايران وامكانية صمودهما لحرب طويلة او قبولهما بالحل السياسي، وثالثا على موقف امريكا الحقيقي تجاه”مستقبل” سوريا والمنطقة ، ورابعا على تطور موقف عربي واسلامي قادر على التصدي للمشروع الايراني ، سواء بالحوار والتفاهم او بالصدام والمواجهة.
الدستور