لماذا يخجلون من الانتماء للأردن..؟!
اما المشكلة الاخرى التي فأجاتني ايضا فهي ان ما ذكره الطلبة فيما يتعلق بموضوعات اهم واخطر لم يحظ بكثير من التعليق , ولا حتى الانتقاد , وكأنه – للاسف – من المسلّمات وربما المطلوبات ايضا , لا اريد هنا ان اتوقف عند ارائهم حول علاقتهم بكلياتهم واساتذتهم ، وارتباطهم بجامعتهم ورضاهم عن مستوى الخدمات التعليمية التي تقدم لهم ....الخ , وانما ساتوقف عند ملاحظتين فقط : الاولى هي ان 66% من الطلبة افادوا انهم لا ينتمون لاي اتجاه فكري او سياسي فيما افاد الباقون انهم يتوزعون كالتالي : 12% منهم لهم توجهات قومية عربية , و 11% منهم توجهاتهم اسلامية , فيما افاد 7% منهم فقط انهم " وطنيون " اردنيون , لاحظ ان عدم انتماء ثلثي طلبتنا المستطلعة اراؤهم لاي اتجاه سياسي يعني ان السياسة في بلادنا " ماتت " او اوشكت على الموت لانها لو كانت تتمتع بالحياة والعافية لجذبت هؤلاء الى ممارستها والانخراط فيها , كما يعني ان " الفكر " في بلادنا اصبح " مجدبا” ومتصحرا , ولا يمثل لشبابنا اية قيمة لان القائمين عليه انتزعوا منه مصداقيته وثقة الجمهور به وبهم , لاحظ ايضا ان ثلث الطلبة توزعت انتماءاتهم على ثلاثة اتجاهات , اقلها نسبة " الاتجاه " الوطني الاردني ، اليست هذه النتيجة صادمة بما يكفي لاستفزاز لواقطنا الوطنية واثارة مشاعر الخيبة والحزن داخلنا , ثم كيف يمكن ان نفهم حقيقة ان الاردنين ، وخاصة الشباب منهم، لا يشعرون " بالانتماء” لبلدهم , بل انهم يقدمون الانتماء لقوميتهم وعروبتهم على الانتماء للوطن الذي يعيشون فيه , وربما يخجل بعضهم ان يقول بصراحة : انه اردني , الم نسال انفسنا لماذا حدث ذلك , ولماذا صبحت " الهوية " الاردنية غائبة عن شبابنا وملتبسة في وعيهم , ولا تشكل عاملا مشتركا بينهم , فيما ندرك تماما ان غيرنا من الشعوب تعتز اول ما تعتز " بهويتها " الوطنية , وتتمايز بها قبل غيرها من الاطر والهويات الجامعة , ثم لماذا سكت اولئك المنتقدون عن هذه المشكلة التي اعتقد انها اخطر من تناول العقاقير والخمور , لانها تعني اننا امام جيل فقد ارتباطه " بوطنه” وقدم استقالته من السياسة والفكر ومن الاعتزاز والانتماء للبلد الذي يعيش فيه .
اما الملاحظة الاخرى فهي ان 94% من الطلبة افادوا بان التنظيمات والجماعات المتطرفة لا تمثل وجهة نظرهم , وبالتالي فان 4% منهم يرون عكس ذلك , اذن نحن امام نسبة تمثل نحو 1500 مستطلع يعتقدون ان هذه الافكار تتناسب مع وجهات نظرهم , وهي نسبة ليست قليلة , اولا لان هؤلاء امتلكوا الجرأة على اشهار رأيهم , وثانيا لان العينة تمثل الحرم الجامعي الذي يفترض ان يضم الطبقة المتعلمة في المجتمع , وثالثا لان الاحصائيات والاستطلاعات الاخرى تشير الى وجود اعداد مماثلة لهذه النسبة وربما اكثر ممن يتعاطفون مع التنظيمات المتطرفة , اما رابعا , فلان ثقافة التطرف اصبحت سمة عامة في حياة شبابنا ومجتمعنا ايضا , وبالتالي فان صرخة ال 4% التي كان يجب ان تصلنا , لم تجد للاسف من يسمعها , فيما ضجت اوساطنا الحزبية والسياسية من صرخة اخرين افادوا انهم ادمنوا على "العقاقير” الطبية المنشطة . تصور هنا فقط ان خطر العقاقير المنشطة اصبح اهم لدينا من خطر " مخدرات” التطرف وان خجل الاردنيين من ان يحسموا " انتماءهم " لوطنهم اصبح اخر ما يصطدمنا في هذا الزمن العجيب .