2024-12-25 - الأربعاء
Weather Data Source: het weer vandaag Amman per uur
jo24_banner
jo24_banner

لماذا يخجلون من الانتماء للأردن..؟!

حسين الرواشدة
جو 24 : حين قرأت بعض البيانات والتعليقات على هامش الاستطلاع الذي نشرته الجامعة الاردنية مؤخرا , تفاجأت بمسألتين : الاولى حدة الانتقادات التي انصبت على ما ذكره الطلبة حول انحرافهم لتعاطي المخدرات او تناول الخمور او العقارات الطبية المنشطة ، ومع ان نسبة هؤلاء الطلبة تتراوح بين 3-5% من عينة بلغت (37) الف طالب وطالبة , وهي نسبة تبدو مفهومة في سياق التحولات التي اصابت مجتمعنا وغيره من المجتمعات , الا ان اخواننا الغاضبن تصوروا ان مجتمعنا مثل مجتمع الملائكة , لا يوجد فيه اشرار ولا مخطئون , وهو بالتالي من وجهة نظرهم يفترض ان يكون افضل من مجتمع " الصحابة” الكرام في بداية الدولة الاسلامية , مع ان مجتمع النبي – صلى الله عليه وسلم - كان فيه من يرتكبون اشنع مما ارتكبه هؤلاء الطلبة , وما اقصده هنا ان الذين صبوا جام غضبهم على ابنائنا الذين ضلوا طريق الصواب , يريدون ان يركبوا هذه النسب المئوية ، وتلك الاخطاء ، لكي يقولوا لنا : ان مشكلة مجتمعنا هنا فقط , في هؤلاء الشباب الذين يتعاطون الخمر والعقاقير والمخدرات , وان مسؤوليتهم تقع على عاتق الحكومات , وان البديل هو نحن الذين يمكن ان " نربيهم” على الصراط المستقيم , ارايتم كيف يمكن ان يتعامل البعض مع قضايانا ومشكلاتنا "بميزان” على مقاسه , وان ينظر الينا بعيونه ويختزلها في زاوية واحدة فقط . 

اما المشكلة الاخرى التي فأجاتني ايضا فهي ان ما ذكره الطلبة فيما يتعلق بموضوعات اهم واخطر لم يحظ بكثير من التعليق , ولا حتى الانتقاد , وكأنه – للاسف – من المسلّمات وربما المطلوبات ايضا , لا اريد هنا ان اتوقف عند ارائهم حول علاقتهم بكلياتهم واساتذتهم ، وارتباطهم بجامعتهم ورضاهم عن مستوى الخدمات التعليمية التي تقدم لهم ....الخ , وانما ساتوقف عند ملاحظتين فقط : الاولى هي ان 66% من الطلبة افادوا انهم لا ينتمون لاي اتجاه فكري او سياسي فيما افاد الباقون انهم يتوزعون كالتالي : 12% منهم لهم توجهات قومية عربية , و 11% منهم توجهاتهم اسلامية , فيما افاد 7% منهم فقط انهم " وطنيون " اردنيون , لاحظ ان عدم انتماء ثلثي طلبتنا المستطلعة اراؤهم لاي اتجاه سياسي يعني ان السياسة في بلادنا " ماتت " او اوشكت على الموت لانها لو كانت تتمتع بالحياة والعافية لجذبت هؤلاء الى ممارستها والانخراط فيها , كما يعني ان " الفكر " في بلادنا اصبح " مجدبا” ومتصحرا , ولا يمثل لشبابنا اية قيمة لان القائمين عليه انتزعوا منه مصداقيته وثقة الجمهور به وبهم , لاحظ ايضا ان ثلث الطلبة توزعت انتماءاتهم على ثلاثة اتجاهات , اقلها نسبة " الاتجاه " الوطني الاردني ، اليست هذه النتيجة صادمة بما يكفي لاستفزاز لواقطنا الوطنية واثارة مشاعر الخيبة والحزن داخلنا , ثم كيف يمكن ان نفهم حقيقة ان الاردنين ، وخاصة الشباب منهم، لا يشعرون " بالانتماء” لبلدهم , بل انهم يقدمون الانتماء لقوميتهم وعروبتهم على الانتماء للوطن الذي يعيشون فيه , وربما يخجل بعضهم ان يقول بصراحة : انه اردني , الم نسال انفسنا لماذا حدث ذلك , ولماذا صبحت " الهوية " الاردنية غائبة عن شبابنا وملتبسة في وعيهم , ولا تشكل عاملا مشتركا بينهم , فيما ندرك تماما ان غيرنا من الشعوب تعتز اول ما تعتز " بهويتها " الوطنية , وتتمايز بها قبل غيرها من الاطر والهويات الجامعة , ثم لماذا سكت اولئك المنتقدون عن هذه المشكلة التي اعتقد انها اخطر من تناول العقاقير والخمور , لانها تعني اننا امام جيل فقد ارتباطه " بوطنه” وقدم استقالته من السياسة والفكر ومن الاعتزاز والانتماء للبلد الذي يعيش فيه .
اما الملاحظة الاخرى فهي ان 94% من الطلبة افادوا بان التنظيمات والجماعات المتطرفة لا تمثل وجهة نظرهم , وبالتالي فان 4% منهم يرون عكس ذلك , اذن نحن امام نسبة تمثل نحو 1500 مستطلع يعتقدون ان هذه الافكار تتناسب مع وجهات نظرهم , وهي نسبة ليست قليلة , اولا لان هؤلاء امتلكوا الجرأة على اشهار رأيهم , وثانيا لان العينة تمثل الحرم الجامعي الذي يفترض ان يضم الطبقة المتعلمة في المجتمع , وثالثا لان الاحصائيات والاستطلاعات الاخرى تشير الى وجود اعداد مماثلة لهذه النسبة وربما اكثر ممن يتعاطفون مع التنظيمات المتطرفة , اما رابعا , فلان ثقافة التطرف اصبحت سمة عامة في حياة شبابنا ومجتمعنا ايضا , وبالتالي فان صرخة ال 4% التي كان يجب ان تصلنا , لم تجد للاسف من يسمعها , فيما ضجت اوساطنا الحزبية والسياسية من صرخة اخرين افادوا انهم ادمنوا على "العقاقير” الطبية المنشطة . تصور هنا فقط ان خطر العقاقير المنشطة اصبح اهم لدينا من خطر " مخدرات” التطرف وان خجل الاردنيين من ان يحسموا " انتماءهم " لوطنهم اصبح اخر ما يصطدمنا في هذا الزمن العجيب .

 

 
الدستور
تابعو الأردن 24 على google news
 
ميثاق الشرف المهني     سياستنا التحريرية    Privacy Policy     سياسة الخصوصية

صحيفة الكترونية مستقلة يرأس تحريرها
باسل العكور
Email : info@jo24.net
Phone : +962795505016
تصميم و تطوير