دعوة الرئيس وجيهة ، ولكن..!
حسين الرواشدة
جو 24 : الدعوة التي اطلقها رئيس الوزراء " للم الشمل الوطني " ، وتجنب الانقسام والابتعاد عن الدخول في التفاصيل البسيطة على حساب القضايا الكبرى التي تواجهنا ، تبدو وجيهة ، كما انها جاءت في وقتها المناسب، لكن هذه الدعوة تحتاج لمن يحملها ويحولها من مجرد تصريحات ونصائح الى وقائع على الارض. لا اشكك ابدا في النوايا ، فالجميع يدرك ان مجتمعنا يقف امام امتحانات عسيرة ، تحتاج فعلا الى تجاوز حالة الخلاف وتأجيل تصفية الحسابات التي يبدو ان البعض يحاول ان يفتح دفاترها القديمة، ولهؤلاء الذين يريدون ان يكسبوا على جبهة السياسة دون النظر لما يترتب على هذه المكاسب من خسارات على جبهة المجتمع نقول : على رسلكم ، ان مجتمعنا لم يعد قادرا على " الفرز " بين العدو و الصديق , فقد تغيرت اولوياته كما تغيرت تصوراته لمصادر الاخطار و هوية الاعداء الذين يتربصون به , و الاخطر ان " قابلية” الانقسام لديه على اية قضية, تهمه او لا تهمه، اصبحت مسألة واردة , و لنا ان نتصور لو ان مجتمعنا مثلا تعرض لحدث كبير – لا سمح الله – كيف يمكن ان نتعامل معه في ضوء هذا الانقسام ,و كيف يمكن ان نتوحد لمواجهته في ظل تراجع الثقة فيما بيننا و انكشاف " اجنداتنا” و شيوع الكراهية بيننا . المجتمعات يا سادة تدفع – في العادة - ثمن الصراع على السلطة، وهي التي تتحمل وزر الاستقطاب بين النخب، واذا كان اصلاح السياسة له ثمنه فان الوصول اليه وتحقيقه مهما طال الزمن مسألة مقدور عليها، لكن اصلاح المجتمع مكلف اكثر، وأسوأ ما فيه اننا سنضطر الى الدخول اليه من بوابة فساد السياسة ومن عتبة النخب التي تواطأت على خرابه وضربه او أسهمت فيهما، وعندئذ نكون كمن لا ارضا قطع ولا ظهرا ابقى . لكن الاخطر من ذلك ان مجتمعنا اليوم يدفع ثمن الصراعات والحروب التي اشتعلت في الجوار ، لدرجة ان الناس (دعك من النخب) اصبحت منقسمة بين من يؤيد هذا الطرف او يقف ضده ، دون ان ينتبه الطرفان لمصالح بلدنا اولا ، ولما يتربت على مجتمعنا اثر هذا الانقسام من تداعيات وكوارث، كما ان مجتمعنا ايضا يدفع ثمن السياسات الخاطئة الت اجهزت على ما تبقى فيه من قوة وعافية ، لا اتحدث هنا عن انسدادات السياسة فقط وانما ان خطايا العبث في لقمة الناش ومعاشهم ، وعن غياب الحس الرسمي عن هموم الناس ومعاناتهم ، وعن الاختراقات التي تعرض لها مجتمعنا في معظم حقوله السياسية والدينية والاجتماعية دون ان يتحرك احد لمواجهتها وتحصين مجتمعنا من امراضها الفتاكة. ذكرت اكثر من مرة ان الناس حين يتكلمون " بالقضية " , خاصة اذا كانت تمثل حدثا كبيرا وهاما , فانهم يفرزون ما لديهم من " خبرات " و طاقات , سلبية اكانت او ايجابية , و اذا ما دققنا في الكلام الذي نتداوله بعد السجالات حول الحرب في سوريا واقتراح التدخل البري وحالة الفرز التي جرت بين المعسرات المتكاسرة ,ثم في صورة انقسام مجتمعنا تبعا لذلك ، فان النتيجة تبدو كارثية بامتياز , ارجو ان لا يذكرني احد هنا ببعض الاحداث التي "جمعتنا” ووحدتنا , فلدينا نماذج اخرى لاحداث عصفت بنا فيما مضى , ولابد ان نستحضرها دائما ، خاصة ونحن نرى امامنا كيف تغيرت المجتمعات حولنا , و كيف خرجت " قرود " الطائفية و المذهبية و الكراهية من كل اتجاه في هذه المنطقة . واذا كنا لسنا استثناء , فمن واجبنا ان ننتبه لخطورة ما لدينا من قابلية لمواجهة بعضنا , و شيطنة انفسنا , و تراجع اخلاقيات الخصومة فيما بيننا , وجنوحنا الى اقصاء من يخالفنا و طرده من الملة الوطنية و الدينية و الانسانية لمجرد ان له رأيا اخر .. لا نريد ان ندفع ثمن التحالفات او الانقسامات التي تحدث في المنطقة ، اذا كان المطلوب هو ضرب وحدة المجتمع وتفكيك نسيجه والاشتباك على انقاضه، لا نريد ايضا ان تُختزل مشاهدنا السياسية في معارك بين ثنائيات مهما كان وزنها، فالناس اكبر من النخب والاحزاب ومن الحكومات ايضا ، واذا كان لا بد ان نتوجه الى استحقاقات المرحلة القادمة ، سواء في الداخل او فيما يواجهنا من كوارث لا تخفى على احد ، فان العنوان الصحيح هو بناء المجتمع والحفاظ على تماسكه وعدم استخدامه لتصفية اي حسابات سياسية، تلك –بالطبع- مهمة الدولة ونخبها واعلامها، وافضل الف مرة ان نترك للناس ان تحدد مصيرها دون تدخلات النخب واستقطاباتها وصناعة الثنائيات القاتلة للتخويف من هذا الطرف او ذاك، بدل ان نوظفهم على حساب وحدتهم وسلامهم الداخلي لتمرير وصفات ما، ، فيما الحقيقة ان ثمن انقسام المجتمعات أخطر.. وأخطر.
الدستور