طاهـر المصــري يصدمنا مـرة اخـرى...!!
حسين الرواشدة
جو 24 : هل تبدو خيارات بلدنا "سيئة " الى هذه الدرجة، كما رأيناها في مرآة "مقالة " الاستاذ طاهر المصري في الزميلة "الغد” امس؟ قبل ان اتطوع بالاجابة ارجو ان يسمح لي "ابو نشأت” ان اضع توقيعي على ما كتبه ، فانا اعتقد مثله تماما ان الاردن يواجه اسوأ الخيارات (كتبت في هذه الزاوية / 11-2 مقالا بنفس العنوان)، واتفق ايضا مع ما ذهب اليه من تشخيص للواقع ، ومع الخلاصة التي انتهى اليها وهي : اننا الان لوحدنا ، ويجب ان نواجه مصيرنا ونحدد خياراتنا بما يتناسب مع قدراتنا ومصالحنا ، وان لا ننتظر - او نراهن - على الآخر ، سواء اكان شقيقا او حليفا ، فالكل مشغول بمصالحه وازماته ، ونحن الوحيدون القادرون على الخروج من هذه "الانفجارات " بعزيمتنا واراداتنا ، اذا قررنا ذلك بالطبع. لا اريد هنا ان اكرر ما قاله الرجل ، ولكنني اشير فقط الى مسألتين على صعيد تعاملنا مع قضايانا الداخلية فقط ( دعك من تعاملنا مع الملفات الخارجية الملتهبة من حولنا ) ، الاولى هي اننا نحصد اليوم ما زرعناه بأيدينا في الامس، لا اقول ذلك من اجل تقليب المواجع، ولكنني اعيد التذكير به لكي نفهم ما حدث ونجتهد في تجاوزه والخروج مما ترتب عليه من نتائج بائسة، والاخرى ان خروجنا من " انفجار التاريخ” الذي لم يصلنا بعد سيظل مشروطا بقدرتنا على " اصلاح” احوالنا ، وبأنفسنا دون انتظار مساعدة من احد. ترى ، ماذا فعلنا بانفسنا ؟ خذ مثلا ، على مدى السنوات الماضية نجحنا بامتياز "!” في ضرب الوسائط الاجتماعية التي كانت تشكل "مفتاحا” لتهدئة خواطر الناس، وجمع شملهم وقضاء حاجاتهم ومصالحهم، وتحت لافتة "انهاء” الدور الرعوي للدولة تمت ازاحة هؤلاء من مشهدنا الاجتماعي لتحل مكانهم "نخب” جديدة لا علاقة لها بالمجتمع، نزلت "بالبراشوت” واستحوذت على المال والسلطة، وقد تصورنا حينئذ ان هؤلاء فائضون عن الحاجة ولا مكان لهم في "الدولة الحديثة” لنفاجأ اليوم باننا افتقدنا "زعامات” محلية كان يمكن ان تضبط حركة الناس وتساعدنا في ايصال ما يلزم من رسائل لهم للتفاهم معهم او لتمثيلهم والحديث باسمهم. خذ مثلا آخر،على مدى خمسة اعوام انصرفت ، ونحن نتصارع حول الاصلاح ،نمجد الحراكات الشعبية تارة ونواجهها ونحاول تفكيكها تارة اخرى،ثم نصر اخيرا على اغلاق ابواب الحوار ونخرج بوصفه اصلاحية لم تقنع الكثيرين،وحين نقرر الخروج من الازمة عبر بوابة قانون الانتخاب نفاجىء الناس بقانون " حفيد للصوت الواحد” ثم بمقررات اقتصادبة صعبة،ونتعمد الاجهاز على ما تبقى من عافية في جيوبهم المثقوبة. خذ ايضا ما فعلنا على صعيد "الاحزاب” واجهاض تجربتها او النقابات ومحاولة تقليم اظافرها او "الشباب” والعبث في اتحاداتهم وروابطهم او التعليم في الجامعات "والشطارة” التي مارسناها لاقصاء الكفاءات منها او "التغول” على اداراتها وتذكر -ايضا- ما فعلناه حين "اغمضنا” عيوننا عن "النخب” التي قادتنا باسم "الليبرالية” الى الفقر، وبذريعة "الخصخصة” الى بيع ما لدينا من موارد وسرقة ما في جيوبنا من اموال. الان ما يحدث في بلدنا الأردن، من فوضى ومن ارتباك ليس بعيدا ابدا عن تراكمات هذه الاخطاء التي تجاهلناها طيلة السنوات الماضية،وليس بعيدا عن حالة الانكار التي تعمدناها في علاقاتنا مع بعضنا وفي مواجهتنا لمشكلاتنا بعيدا عن المقولات المغشوشة التي روج لها بعضنا بقصد او بدون قصد. ثم ، كيف تبدو صورتنا ؟ ان ما طالعتنا به معظم الاستطلاعات - الداخلية والخارجية - يشير بوضوح الى ان "أمورنا لا تسير في الاتجاه الصحيح” والى ان صورة بلدنا في عيون "الناس” تبدو محاطة "بالغبش”، ورغم أن هذه الاستطلاعات تشير الى ان "الاوضاع” الاقتصادية الصعبة هي السبب في ذلك، الا ان "اخطاء” السياسة تبقى الوجه الآخر لما انتهينا اليه، الامر الذي يضيف الى الصورة بعدا آخر يجعلنا نشعر - اكثر من اي وقت مضى - بأن احوالنا ليست على ما يرام. حين ندقق اكثر في المشهد، سنكتشف باننا لم نغادر دائرة الحيرة والارتباك، فالعنف ما زال يتنقل بحرية بين مؤسساتنا وشوارعنا وعملية خلط الاوراق اصبحت مكشوفة تماما، واذرع الدولة التي كانت قادرة على احتضان "مواطنيها” تراخت ومعها تراجعت تقاليد وقيم وقوانين كانت تمثل سياجا يقنع الناس ويحميهم ويجعل اقدامهم اكثر ثباتا على الارض، ووسط هذه الاجواء لم نعدم رؤية حالة غريبة من "تنقلات” السفراء وزيارتهم من قبل البعض لطلب المساعدة، كما لم نعدم متابعة تنبؤات "بعواصف” قادمة ستضرب هنا او هناك، او مقاربات سياسية "تمسّ” عصب حياة الناس ومستقبلهم ايضا. من المفارقات هنا ان نقاشاتنا - سواء في البرلمان او في الاعلام او في الشارع، تتوجه - في الغالب - الى قضايا ثانوية، وكأن ثمة من يريد ان يشغلنا عن "الاولويات” الكبرى التي تهدد بلدنا، لا اتحدث هنا - فقط - عن الملف السوري الذي انشغلنا به من زاوية انسانية واهملنا "اخطاره” السياسية والعسكرية ، وانما ايضا عن ملف "التسوية” القادم وما يجري داخله من "ترتيبات” سياسية، وعن ملف التحالفات والمعسكرات التي لا نعرف لاي منها ننحاز ؟ ولا كيف سندفع ثمن حيادنا اذا ما قررنا عند الانغماس في وحل اية حرب قادمة ، وعن ملفات اخرى يبدو انها تحولت الى مجرد "كرة” يجري تبادلها بين اطراف المعادلة السياسية القائمة لحسابات غير مفهومة. اعرف ، لاوقت الان للتلاوم ولا للشكوى ولا لانتظار المنقذ الذي قد ياتي من الخارج ،ولا نريد ان نسال كيف حدث ذلك؟ ولا لماذا؟ ولكنني اتصور ان الخطوة الاولى نحو الخروج من المحنة ومن خوف الاردنيين المشروع هي فهم ما جرى والاعتراف به ثم تجاوزه بقرارات جريئة تؤسس لمرحلة جديدة نشعر من خلالها اننا استعدنا "عافيتنا” وبأننا تعلمنا من اخطائنا، وبأننا صحونا من "الغفلة” وقررنا فتح صفحة جديدة . هنا يبدو السؤال عن المخرج مشروعا ومطلوبا ايضا، وانا اعتقد اننا بحاجة الى تشكيل "لجنة” من "الحكماء” لوضع النقاط على الحروف، والنقاط هنا تتعلق بثلاثة عناوين: الاول هو تصحيح العلاقة بين المجتمع والدولة، والثاني هو تصحيح مسارات السياسة والاقتصاد، والثالث ترتيب علاقاتنا مع محيطنا الاقليمي والخارجي وما فرضته علينا التطورات والتحولات من استحقاقات ، ومهمة "الحكماء” هنا هي تقديم ما يلزم من "اقتراحات” يفترض ان يستمدوها من المجتمع بكافة اطيافه، ثم وضعها امام "صانع” القرار.. وهذا بالطبع لا يتناقض مع حضور المؤسسات الرسمية صاحبة الولاية، وانما يعززه ويبدد - ايضا - حالة "القتامة” التي اصبحت سمة عامة لرؤيتنا، وكأننا - جميعا - اصبحنا جزءا من المشكلة..
الدستور