الاردن امام استحقاقات«الخطة ب»
حسين الرواشدة
جو 24 : كيف يمكن للاردن ان يتعامل مع استحقاقات " الخطة ب "..؟ يبدو هذا السؤال وجيها وصعبا في آن واحد ، لكن الاجابة عليه اصبحت ضرورية لثلاثة اسباب على الاقل ( دعك الان من تطمين الداخل الاردني ووضعه في صورة ما يمكن ان بحدث وما عليه ان ينهض به ) السبب الاول ، ان فرص استمرار وصمود هدنة " وقف العمليات العدائية " ثم البدء في تنفيذ خطوات المرحلة الانتقالية في سوريا لم تعد متاحة ، فقد تم تسجيل اكثر من 14 اختراقا في اليومين الماضيين من قبل النظام والطائرات الروسية ، كما ان التنظيمات المسلحة ليست موحدة على موقف واحد وبعضها لم يعلن التزامه اصلا بالهدنة ، ناهيك ان المرحلة الانتقالية التي حظيت بشبه اتفاق روسي امريكي قوبلت بالرفض من النظام السوري ومن ايران ، وبالتالي فان الرهان على الحل السلمي يبدو خاسرا ولا يمكن التعويل عليه. اما السبب الثاني فهو ان " الخطة ب " التي اشهرها وزير الخارجية الامريكي ثم بسط بعض تفاصيلها قائد قوات حلف شمال الاطلسي السابق ، واكدها وزير الخارجية السعودي امس الاول ، اشارت بصورة واضحة الى ان الاردن سيكون شريكا فيها ، وعلى الرغم من ان مصادر اردنية نفت ذلك ، الا اننا سنجد انفسنا - شاركنا او لم نشارك فيها - امام استحقاقات خطيرة تفرضها علينا العمليات البرية التي ستجري في سوريا ، وخاصة على حدودنا الشمالية ، كما ان عدم التزام روسيا بتعهداتها تجاهنا سيفرض علينا الدخول في التحالف الجديد ، مما قد يجعل من خيار الحياد بالنسبة لنا مسألة مشكوك فيها . يبقى السبب الثالث وهو ان ارتدادات "الخطة ب” على الاردن لا تتعلق فقط بتصاعد طوفان اللاجئين الذي سيدخلون بالالاف الى بلدنا نتيجة فوضى الحرب التي ستدور في الجنوب السوري ، وانما ايضا بمصير آلاف المقاتلين الذي يسيطرون على الجبهة الجنوبية ، وخاصة الذين ينتمون لتنظيم " داعش " ، حيث من المتوقع ان تتحول هذه الجبهة الى معارك استنزاف طويلة ، الامر الذي يهدد الامن الوطني الاردني على المدى القريب والبعيد ايضا . اذا دققنا في الاسباب الثلاثة ، وغيرها ، سنجد ان امام الاردن ثلاث خيارات ، الاول : ان يضطر للمشاركة في "الخطة ب " التي تتضمن اقامة مناطق آمنة لدعم المعارضة المعتدلة عسكريا ، وامكانية التدخل البري تحت قيادة امريكية وبمشاركة عربية واسلامية ( احياء التحالف الدولي لمحاربة داعش وتوسيعه) ، مما يعني نهاية او "تجميد” التنسيق بين الاردن وروسيا ، والانحياز الى التحالف الجديد ، كما يعني ثانيا دخول الاردن كطرف في الحرب الدائرة هناك وانتهاء مقاربات "الحياد " بمختلف اصنافة (الايجابية والمتنقلة) ، كما يعني ثالثا ان الاردن استكشف الموقف الامريكي وربما وضع في صورة السيناريوهات القادمة بالنسبة لسوريا اوللمنطقة بشكل عام ، الامر الذي سهّل عليه تحديد خياراته. اما الخيار الثاني فهو ان الاردن سيسعى للحفاظ على موقف "المراوحة " او المناورة بين المحاور والتحالفات ، بحيث تبقى قنواته مفتوحة مع كافة القوى الفاعلة في المشهد السوري ( بما فيها بعض التنظيمات المعتدلة ) وذلك تبعا للتطورات السياسية والعسكرية ، وحتى اذا تمكن من فعل ذلك ، فان النتيجة قد لا تكون مضمونة ، سواء بالنسبة لتجنب الآثار المتوقعة على امنه واستقراره ، او لادامة "موثوقية” الاطراف والتحالفات المحيطة به ، او للحفاظ على الدور الذي يمكن ان يشارك به على "الطاولة " السورية ، خاصة اذا صحت التقديرات التي ترجح سيناريو التقسيم. يبقى الخيار الثالث ، وهو "الحياد السلبي” او العودة خطوات الى الوراء وعدم التدخل باي شكل في الملف السوري ، تماما كما فعلنا في الحرب الاولى على العراق ، ومع ان هذا الخيار يبدو مستبعدا ( وغير واقعي) نظرا للتحولات المتسارعة التي تجري في المنطقة والتغيير الذي حدث على صعيد التحالفات وما يترتب على ذلك من تهديد للامن ( والوجود الاردني) ، ومن خسائر في حال قررنا "النأي بالنفس " عن المشهد السوري بصورة قاطعة ، خاصة اذا تطورت الاحداث بشكل دراماتيكي وبشكل غير محسوب على الجبهة الجنوبية لسوريا ، الا ان هذا الخيار يبدو وجيها وممكنا لا سيما اذا استطعنا ان نحافظ على مسألتين : الاولى ، الاعتماد على المشاركة السياسية واللوجستية ومقارباتهما المعروفة ، وعدم الدخول في اية عملية برية ، والاخرى اقناع الاطراف المختلفة بحساسية الموقف الاردني وعدم قدرته على المجازفة بالمشاركة في "الخطة ب " ، حتى لو حظيت بموافقة دولية ، لان مثل هذه المجازفة ستضر بالاردن اولا ، وستمنعه من الاستمرار بدوره الانساني في ملف اللاجئين ثانيا ، وستضعه في مواجهة مفتوحة ، لا يجد له اية مصلحة فيها ، ولا يمكن ان يتحمل نتائجها الكارثية. اي الخيارات سيرسو عليها "مركبنا " السياسي ..؟ دعونا ننتظر ما ستفاجئنا به الايام القادمة .
الدستور