ويسألونك : هل تحب الوطن..؟!
حسين الرواشدة
جو 24 : لا تضحيات بدون "باعث” حقيقي يدفع الناس الى الشجاعة والاقدام وتقديم أغلى ما يملكونه (وهو أرواحهم) من أجل فكرة او قضية تتغلغل داخلهم ، يؤمنون بها ويستعدون دائما للتضحية من اجلها ، فما هو هذا الباعث الذي يمكن ان يحرك داخل احدنا كل ما يحتاجه من قوة وعزيمة للتضحية بروحه من اجل وطنه او قضية يؤمن بها ..؟
هبّة الاردنيين للاحتفاء بالشهيد راشد الزيود ، ذكرتني بهذه السؤال كما ذكرتني ايضا بالقيم التي تغيب عن بالنا احيانا ، وخاصة قيمة "حب” الوطن ، لدرجة جعلتني أشعراننا بحاجة الان الى اعادة الاعتبار لهذه القيمة ، وبحاجة الى تحريرها مما اعتراها من سوء فهم او ممارسة . كيف؟ لا أدري؟ لكن بوسعي ان اجتهد في المسألة وأقول: أن معيار الحب الحقيقي هو "العطاء” بلا شروط ، فالذي يحب وطنه لا ينتظر أي منفعة ، ولا يمكن ان يقايض محبته بأي ثمن ، والذي يحب بلده يستعد دائما للبذل والتضحية ، ولا يختزل "احساسه” والتزامه في دائرة الكلام فقط ، فالكلام - هنا - لا يكلف صاحبه أي شيء ، وانما الامتحان الحقيقي "للحب” فيما يقدمه ويفعله.. لا فيما يردده فقط.
في بلادنا ثمة نماذج مشرّفة لهذا الحب الذي يتجاوز "شروط التعاقد” ومواسم المصالح والمنافع ، فما زلنا نتذكر من ضحى بروحه ودمه من اجل الوطن ، وما زلنا نتذكر اسماء شهدائنا - وما اكثرهم ، في فلسطين وسوريا وعلى ثرى الاردن ايضا، وما زلنا نعتز بسيرة الموظف النزيه والوزير النظيف ، وكل هؤلاء - وغيرهم - قدموا لنا صوراً من (الحب) للوطن في معناه الحقيقي المنزه عن المنافع والمصالح ، وفي المقابل في بلادنا ايضا نماذج اخرى - مؤسفة - اختزلت (الحب) في دائرة المقايضة او المنفعة الشخصية ، وحين تبددت فرصها ، او غادرت مواقعها ، انقلبت رأسا على عقب ، وتحول (الحب) الى نوع من المناكفة.. ان لم نقل الى الحقد والكراهية ذاتها.
في الاوقات الصعبة ، تحتاج الاوطان الى من يؤمن بها حقاً ، ومن يحبها حقاً ، تحتاج الى الحب العملي الذي (يُعرف ولا يوصف) والى الحب غير المشروط والمجاني ، الى الحب (الفعل) وليس (الاسم) ، الغاية وليس الوسيلة ، الى الحب (الصادق) لا المنقوص او المغشوش ، وهذا - بالتأكيد - موجود واصحابه كثيرون.. وهم لم يتواروا عن الانظار وان خيّل لنا ذلك.
هل نحب بلدنا حقاً ..؟ هذا سؤال يمكن ان يدرج في سياق (لزوم ما لا يلزم) اذ انه لا يمكن لاحد ان يتعامل مع وطنه من خارج دائرة "الحب” ، لكن الا يحتاج موضوع "الحب” الى تحرير ، أليس ثمة أنماط من الحب بعضها يندرج في الاطار الصحيح والصالح ، وبعضها الآخر مجروح بالنقصان او الفساد او سواهما من صور الخلل والقصور؟ الا يختلف (الحب) في درجته.. وفي نوعه ايضا؟
ثم هل أصبحت مجتمعاتنا تعاني من (الجدب) في الحب ، وهل فقدت هذه القيمة العزيزة معناها وأصبحت مغشوشة بامتياز؟ بالمناسبة ، عدت الى احصائية اثبتها احد الباحثين حول "الحب في القرآن الكريم” ، فوجدت ان كلمة "حب” ومشتقاتها وردت نحو (86) مرة في القرآن ، جاءت بصبغة الفعل (75) مرة ، وبصيغة الاسم (11) مرة ، ودلت على الحاضر (72) مرة وعلى الماضي (3) مرات فقط ، ما يعني ان الحب الحقيقي ليس اسماً فقط وانما عمل ، وليس ماضياً وانما فعل حاضر ومستمر ، وليس "شعارا” وانما ارادة والتزام.
في الاوقات الصعبة ، تحتاج الاوطان الى من يؤمن بها حقاً ، ومن يحبها حقاً ، تحتاج الى الحب العملي الذي (يُعرف ولا يوصف) والى الحب غير المشروط والمجاني ، الى الحب (الفعل) وليس (الاسم) ، الغاية وليس الوسيلة ، الى الحب (الصادق) لا المنقوص او المعكوس ، وهذا - بالتأكيد - موجود واصحابه كثيرون.. وهم لم يتواروا عن الانظار وان خيّل لنا ذلك.