الوقاية والفاتورة
أكثر ما يحبطني على الصعيد الشخصي ،عندما تتحدّث عن «مبدأ» فيرد عليك الآخر بــ «مكسب» ، وعندما تنتقد «منهاج» وإدارة ملف ، فيعزو صاحب التبرير العيب الى «صفحة»..
لا يعنينا ان كان اعتصام طلاب الجامعة الأردنية لغايات انتخابية ام لا كما تدعي إدارة الجامعة، كما لا يعنينا ان اعتصام الطلاب وبياتهم أمام مكتبة الجامعة له توجهات سياسية ام لا ، أكثر ما يعنينا انحراف المسار التعليمي برمّته عن سكته التي وجد لأجلها منذ سنوات ، فلم يعد دخول الجامعة والحصول على حق التعليم للأكفأ بقدر ما صارت «للأغنى» حيث تحوّلت هذه الصروح بكلياتها وأقسامها الى برك استثمارية كبيرة «للحصاد المالي» ،لا يعنينا ان كان اعتصام الطلاب جاء قبل الانتخابات بشهر او شهرين او عشرة ...أكثر ما يعنينا أن الجامعات صارت ملتقى «لأبناء رؤوس الأموال والمقتدرين ماديا» ولا عزاء للفقراء المجتهدين ..هذا الخلل حدث في كل الجامعات بما فيها الجامعة الأردنية منذ أن رفعت الحكومة يديها عن دعم التعليم الجامعي و»سكت» الرؤساء و مجالس الأمناء على «جهل» متّخذ القرار ونفّذوا المطلوب على طريقة التلميذ المستمع..حيث فتحت الشهية الربحية لهذه المؤسسات على حساب المخرج والكيف..فأصبح طلابها «دولارات» تمشي على الأرض.
ربما قدر الجامعة الأردنية أن تكون اليوم في واجهة الكلام ، لأنها الشقيقة الكبرى و»جمل المحامل» لسياسات التعليم فإن أصابت اقتدت بها باقي الشقيقات وان أخطأت صححت قبل الوقوع بالخطأ..وقد تكون مفتاح الحل وبداية التصويب لأوضاع حان وقت تصويبها...
لا يعنينا أسباب الاعتصام أو شكل الاحتجاج..ما يعنينا في هذه اللحظة أن تعود الجامعات حاضنة حقيقية لطلاب العلم ، تفتح أبوابها للطاقات الكبيرة والوفيرة وتستثمر بها في المعرفة والاعتدال، فإن ان لم تفعل عليها ان تتذكر ان كل باب تغلقه في وجوههم هناك باب يقابله في التطرف والانحراف فهل نستطيع جميعاً تحمل النتائج؟..
على الدولة التي ما زالت كريمة جداً و تصرف تقاعدات لعجزة السياسة وذويهم ..ان توجه هذا السخاء لدعم الجامعات ومساعدتها في النهوض برسالتها التعليمية...في هذه اللحظة ، يجب ان ننسى مبدأ الربح والخسارة في دعم الجامعات.. فالربح المعنوي اعلى بكثير من رقم في موازنة... والأب الواعي والحقيقي لا يفاضل ابداً بين شفاء ابنه وقيمة الفاتورة ...