هل ما فعلناه كان صوابا..؟!
محاصرة الفتوى محليا وتقنينها او ضبطها لن يمنع الشباب من الهجرة الى الانترنت للاستفتاء ، ولن يمنع «العلماء» او مدعّي العلم من اشهار فتاواهم.. كما ان تقييد الوعظ والارشاد والخطابة في حدود ما يسمح به القانون ، سيدفع - بالتأكيد - الكثيرين الى البحث عن منابر اخرى لعرض مواهبهم ، وقراءة ما تفيض به الشاشات من خطابات وما تنهض به من فضائل النقل المباشر.
تلك بالطبع مجرد امثلة للحلول التي تطرح لمشكلات مثل التطرف والغلو وفوضى الفتاوى وانحراف الشباب «المتدين» نحو الفهم المغلوط للاسلام لكن - ولكي لا نذهب بعيدا في التفاؤل - فان التجربة اثبتت ان هذه الحلول (على اهميتها وضرورتها) لا تتجاوز معالجة الأعراض.. اما الامراض فتحتاج الى معالجات اخرى.
منذ سنوات طويلة اطلق البعض في عالمنا الاسلامي مقولات «تجفيف ينابع الارهاب» ، وحاول آخرون استئصال الظاهرة الدينية وزج رموزها في السجون او دفعهم الى المنافي ، ولم يتردد البعض من تحريم المشاركة السياسية على الاسلاميين ، ومحاصرة الشباب ومنعهم من التوظيف في الدولة ، او مطاردتهم امنيا واصدار الفتاوى السياسية التي تخرجهم من الملة الوطنية.. وكانت النتيجة كما نراها تماما ، الينابع زادت جريانا وافرزت «اسلاميين» يصلون الى السلطة عبر الصناديق واصوات الاكثرية من الناس ، المطاردون يعودون ويزداد رصيدهم في الشارع ، المصالحات الاهلية ودعوات السلم الاهلي تحاول اعادة المجتمع الى عافيته بحضور المهمشين من المتدينين ، اقبال الشباب على التدين وازدحام المساجد بهم يزداد يوميا. وكل ذلك في السنوات العشرين الماضية فقط.. وفي بلدان تشهد الآن مدّا اسلاميا لافتا للانتباه.
ما الذي يدفع الشباب الى التطرف؟
الجميع بالطبع يعرف الاجابة وان كانت محاولات القراءة والنصيحة وما يتبعها من قرارات سياسية تتجاوز هذا الفهم الى ابتداع الحلول السهلة ، والمعالجات الامنية البحتة ، والاجراءات التعسفية التي تصب في «التطرف» ولا أحد يتحدث عن المناخات التي تفرز التطرف ، والاحباط الذي يصنع الجنوح والانحراف ، والدولة التي تحولت من أب لمواطنيها الى «سجان» لمعاقبته.. دون ان تدرك ان هؤلاء المصابين بجراثيم التطرف مرضى يحتاجون الى العلاج اكثر من حاجتهم الى العقاب.
في عالم بلا حدود ، وبلا خفايا ولا اسرار ، وفي ظل ثورة الاتصالات وانكشاف العالم على حقائق لا تخطر في بال احد ، اصبح التطرف العابر للحدود والقارات والاجهزة قادرا على اجتراح المعجزات والمفاجآت. واصبح من المفترض ان نتتبع الجذور لتقنية اجوائنا منه ، بالحوار والحكمة بدل القمع والعقاب.
من يفكر في بلادنا الاسلامية - مثلا - باحياء المناظرات العلمية والحوارات المفتوحة مع الشباب الذين اصيبوا بالتطرف ، ومن يفكر في اقتحام سجوننا لمعرفة افكار هؤلاء الشباب ومحاولة اقناعهم بسوء ما يفكرون به وخطئه بالحسنى والمحبة ، ومن بوسعه ان يبادر الى انقاذ هؤلاء من «جهلهم» او قطع الطريق على التعصب والكراهية وردود الانتقام التي تشكل قاسما مشتركا لشعورهم ضد مجتمعهم وضد الآخر الذي لا يرى الاّ استئصالهم؟
اتمنى ان نسمع من الغيورين على ديننا وبلادنا تجربة واحدة تثبت ان حلول الحذف والقمع اجدت في اقناع متطرف واحد بالعودة للاعتدال.. او التوبة مما اقترفه من افكار واعمال، اتمنى ان نسمع اجابة واحدة تقنعنا بان ما فعلناه كان صوابا.