ما زال السؤال يتكرر... ترى ماذا ننتظر؟ !
قبل نحو ستة اعوام كتبت في هذه الزاوية عن قصة قطارين: احدهما قطار الاصلاح والآخر قطار "نفاد صبر الناس” ، لم تكن الثورات العربية آنذاك قد انطلقت لكن اشاراتها وتحذيراتها كانت واضحة بما يكفي لكل مراقب او متابع لما يجري في بلداننا العربية كلها.
في بعض البلدان وصل قطار "نفاد صبر الناس” الى محطته الاخيرة ورأينا ما حدث وما انتهت اليه الدول و الشعوب من كوارث ،وفي بلدان اخرى ما زال هذا القطار يتحرك وما زالت سرعته تتصاعد، لكن الامور لحسن الحظ ما تزال تحت السيطرة حتى الان ، ومع انني اتمنى ان نستدرك وصوله وان نستبقه من خلال دفع عجلات قطار "التغيير” إلا أن ما يخيفني –حقا- هو ان البعض ما زال "يراهن” على امكانية "اللعب” على القطارين معا وايهام الناس ان بيده "عصا” سحرية تحرك قطار "التغيير” متى شاء وتضبط سرعة قطار " نفادالصبر” متى اراد.
للتذكير فقط، استأذن القارىء الكريم باعادة ما قلته، لا لكي اثبت بأن ما توقعته قد حصل، ابدا لم يخطر في بالي هذا، وانما لكي نتأمل فيما حدث حولنا وبما يحدث في داخلنا، على امل ان نستدرك الخطأ، ونفهم المطلوب ، ونتحرك بسرعة نحو سكة السلامة.
قلت وقتها ان قصة الناس مع الاصلاح لا تختلف كثيرا عن قصة قطارين انطلقا من محطة واحدة: احدهما انطلق سريعا ثم اخذ يبطىء شيئا فشيئا الى ان توقف.. وحين اجتمعت ورشات العمل لاصلاح عطله ، وانقسم خبراؤها في تحديد موقع الخلل ، تم الاتفاق على تسليك المسألة لتمكينه من السير مؤقتا.. وهكذا ظل يسير ويتوقف.. ولكن ببطء وباحساس عام بأنه يحتاج الى اصلاح شامل ليستعيد عافيته.. اما القطار الآخر فقد انطلق من المحطة ذاتها.. وتصاعدت سرعته شيئاً فشيئا ، لكنه حين تعطل زميله اخذت عجلاته تدور على السكة بسرعة مذهلة حتى اصبح البعض يشك بأنه قد فقد السيطرة، وانه على وشك الاصطدام بالمجهول.
القطار البطيء يشبه تماما مسيرة الاصلاح ودعواته وتجربته التي عرفناها في السنوات الماضية ، والقطار الآخر يشبه نفاد صبر الناس الذين عولوا على وصولهم الى المحطة في الوقت المحدد ،لكن خيبتهم في الوصول افقدتهم القدرة على التحمل والصبر، والمثال الذي سقته سلفاً أحسست انه ينطبق تماما على حالتنا.. فمنذ عشرين سنة انطلق قطار الاصلاح في بلادنا ، لكنه ما زال بطيئا ولم يصل الى المحطة المطلوبة ، فيما لا يزال قطار نفاد الصبر لدى الناس يسير بسرعة ملفتة ، لدرجة ان احدنا لا يعرف الى اين سينتهي به المطاف ، وهذا - وبالطبع - يجعلنا امام خيارين اثنين يمكن ان يصلحا للحل: احدهما يتعلق بالقطار الاول من حيث اصلاحه وزيادة سرعته وتزويده بكل ما يوفر له القدرة على متابعة رحلته.. والآخر يتعلق بالقطار السريع (قطار نفاد الصبر) من حيث تخفيف سرعته او العمل على ايقافه او تطويق ما يمكن ان ينتج عن سرعته من اضرار وتداعيات مزعجة.
لا ادري بالطبع اذا كانت الحكومة - على مدى السنوات الاربعة التي تربعت فيها على مقاعد السلطة - مشغولة بأحد الخيارين السابقين ، لكنني اعتقد ان الحكومات كلها اختارت العمل على القطار الثاني لمنع اندفاعه ، والتقليل ما امكن من سرعته ، ظناً منها ان تراكمات الاعطال والمخاوف التي اصابت القطارالاول، ناهيك عن هواجس تكاليف اصلاحه وزيادة سرعته ، اصبحت فوق قدرتها ، وبالتالي فانها اضطرت الى التعامل مع قطار نفاد الصبر من خلال معالجات سياسية واجتماعية واقتصادية.. غالبا ما انتهت الى الجدار.. أو في افضل الحالات الى اعطاء انطباع بأن سرعة القطار قد خفت فيما الحقيقة غير ذلك.
اذا سألتني : ماالعمل ..؟ ساجيب بانه يفترض ان يتم في اطارين: احدهما تحت عنوان "اعادة الامل” والآخر تحت عنوان "رفع الهمة” ... لا اريد ان اخوض في التفاصيل لكن لا بد ان نعترق ان ايصال الناس الى اليأس سيدمر كل شيء ، كما ان الاعتماد على الانتظار الطويل مع نفاد الصبر قد يفضي الى ازمات لا تنفع معها الحلول.. ولذلك فان اي حكومة جادة لا بد ان ترفع همة الناس من خلال اصلاح القطار الاول وهو قطار الاصلاح ، ولا بد ايضا ان تحيي فيهم الامل من خلال تقليل مخاوفهم من سرعة القطار الثاني.. بمعنى المزاوجة بين الخيارين: تسريع وتيرة الاصلاح بشكل جدي ، وتخفيف شعور الناس بالضيق ونفاد الصبر وغيرهما من المشكلات التي دخلت من بوابة تصاعد حدة الاحساس بالخيبة والخوف من القادم.
منذ اربعة اعوام على الاقل وما زال السؤال هو هو:كيف ندفع عجلات قطار الاصلاح والتغيير؟ والمؤسف انه بالرغم مما حدث حولنا من كوارث ومصائب ما زال السؤال يتكرر... ترى ماذا ننتظر؟ هل نحتاج الى اعوام اخرى لكي نلتقط الاجابة الصحيحة؟ ام اننا سنترك لقطار نفاد الصبر فرصة الوصول الى محطته الاخيرة؟
ارجو ألاّ يحدث ذلك لاننا عندها لا نعرف كيف سنواجه اقدارنا ولا كيف سنخرج سالمين.