رسائل بروكسل تعنينا أيضا...!
منذ الهجمات التي تعرضت لها امريكا في سبتمبر 2001 لم تغب بلجيكا عن " محاضر” العمليات الارهابية التي ضربت القارة الاوروبية . وجيرانها المغاربة ايضا .
قبل يومين من هجمات سبتمبر تمكن شخصان من الحصول على جواز سفر بلجيكي . بحجة اكمال دراسة الصحافة . وغادرا تونس الى افغانستان . وهناك التقيا باحمد شاه مسعود . وفجرا الكاميرا التي استخدماها في المقابلة الصحفية معه، واردياه قتيلا .
في تفجيرات مدريد 2004 القت السلطات البلجيكية - بعد عام تقريبا - على يوسف بلحاج " ابو دجانة " المتحدث باسم القاعدة . باعتباره المشتبه به الرئيسي في العملية التي تعرض لها مترو العاصمة ( مدريد ) وراح ضحيتها نحو 170 شخصا .
بعد تفجيرات لندن 2005 تمكن مختار ابراهيم المتهم الاول من الهروب الى بلجيكا وبعد عمليات تفتيش القت السلطات القبض عليه .
ايضا كانت بروكسل حاضرة بقوة في الهجمات التي تعرضت لها باريس في تشرين الثاني 2015 . حيث تبين ان عبدالحميد ابا عود العقل المدبر كان يعيش في احد احياء بروكسل " مولانبيك” . مع خلية ارهابية تضم صلاح عبد السلام الذي هرب بعد الهجمات الى بروكسل مرة اخرى، وتم اعتقاله قبل اربعة ايام من تفجيرات المطار والمترو في بلجيكا .
اذا اضفنا الى هذا السجل التاريخي الذي ظل شاهدا على ان بلجيكا كانت بمثابة "ملجأ: للمحسوبين على التنظيمات الارهابية التي نفذت عملياتها في العواصم الاوروبية ( وفي عملية الدار البيضاء بالمغرب ايضا )، وجود نحو " 500 " مقاتل يحملون الجنسية البلجيكية مع داعش في سوريا والعراق . فان بمقدورنا ان نتصور ان العملية الارهابية التي صدمت البلجيكيين والاوروبيين والعالم ايضا لم تكن مفاجئة . فكل التقديرات الامنية ( خاصة بعد هجمات باريس ) ناهيك عن التصريحات الرسمية كانت تؤكد ان بروكسل ستكون هدفا للارهاب . صحيح ان خبرة البلجيكيين تبدو فقيرة في التعامل مع مثل هذه العمليات النادرة ( اول عملية تعرضت لها كانت في 2014 حيث شن ارهابيون هجوما على متحف يهودي ) وصحيح ان ثنائية الامن والحرية لم تكن حسمت بشكل حازم لمصلحة الامن . لكن الصحيح ايضا ان بلجيكا كانت ضمن " بنك” الاهداف لدى داعش . وان العملية التي جرى تنفيذها بعد اعتقال صلاح عبد السلام . كانت مقصودة في توقيتها اولا . وفي الرسائل التي تحملها من " مركز " صناعة القرار السياسي في اوروبا الى اطرافها . سواء تعلقت بالناتو والحلفاء العسكريين او بملف اللاجئين او بملف التدخل في الصراعات والحلول السياسية في المناطق التي تتمدد فيها داعش ( سوريا وليبا والعراق تحديدا ) او حتى بملف الجاليات الاسلامية التي تحاول داعش ان توظفها في صراعها الارهابي مع اوروبا .
تعمدت ان اعيد للذاكرة هذا السجل التاريخي الذي يتضمن اسم بلجيكا كطرف في العمليات الارهابية وكمقر للارهابيين الذين قاموا بتنفيذها . لكي اشير الى مسألتين : الاولى تعنينا في الاردن . حيث كشفت عملية اربد التي كان يمكن ان يتم تنفيذها لولا يقظة رجال الاجهزة الامنية عن تحولات في استراتيجية داعش الارهابية . وربما تبدو ثمة مشتركات بين بلجيكا وبين الاردن كمقر او " كممر " للارهابيين . لا اريد هنا ان ادخل في تفاصيل هذه المشتركات، وهي متعددة، لكن ما جرى في بروكسل يمكن ان يتكرر في عواصم اخرى، في منطقتنا كما في اوروبا وغيرهما؛ ما يدعو فعلا الى الانتباه والحذر.
اما المسالة الثانية فهي ان الارهاب اصبح اليوم "معولما” وقادرا على التمدد ولديه ما يكفي من الادوات ووسائل التمويه، وبالتالي لا يمكن لاي دولة ان تكون في مأمن منه . فالارهابي لا يتمتع باي صفات فارقة . كما ان الاجراءات الامنية – وحدها – لا تكفي . وحتى لو حسمنا ثنائية الامن والحرية لمصلحة الامن . وصاعدنا من وتيرة الحلول العسكرية فان الحاجة تبدو ملحة لمعالجات اخرى . فكرية وسياسية واقتصادية . ونحن هنا معنيون بهذا الجانب . كما ان جيراننا الاوروبيين مدعوون الى الاخذ بها . فما حدث في بروكسل يقرع جرس الانذار مجددا امام خطر الارهاب الذي يتمدد ديموغرافيا في كل مكان .