الــــدور عــلـــى مــــن...؟!
لا نحتاج الى " مندل " لكي نضرب ونتنبأ عن الهدف القادم لداعش بعد بروكسل , فلدى التنظيم قائمة طويلة من الاهداف تمتد على خارطة تضم اكثر من " 60 " دولة في العالم , لدى كل واحدة فيها خلية جاهزة لتنفيذ المطلوب , وسواء صدرت الاوامر من الرقة او الموصل مباشرة او لم تصدر , فان بمقدور اي مجموعة بايعت البغدادي او استلهمت فكرته ان تتحرك وتضرب متى سنحت لها الفرصة .
نحن امام حرب " ارهاب " جديدة لم نألفها فيما سبق , وعلينا ان نتوقع اخبارا عاجلة تزفها لنا داعش في اي وقت , هذا ليس من قبيل المبالغة وانما لدينا ما يكفي من شواهد على ذلك , اولها ان داعش التي تشعر اليوم ان مراكزها الجغرافية مهددة في الموصل والرقة تريد ان تخرج من الحصار وتكسر صورة "التقوقع والدفاع الجثومي " , والطريق المفتوح امامها هو ان تضرب مثل الاعمى في كل مكان ، وثانيها ان استراتيجية داعش في الاصل استندت الى محاور ثلاثة : الدفاع عن المركز والتغلغل في الاطراف والتمدد الى الخارج , وبالتالي فان هذه الاستراتيجية لم تتغير كما يعتقد البعض وانما استحدثت تحولات داخل الاستراتيجية نفسها , تمكنها من التكيف مع الظروف والمستجدات ,وتبعا لذلك فان ضرب العدو البعيد وتهديد القلاع التي تشكل تهديدا " للتنظيم " هي جزء اصيل من الاستراتيجية , اما ثالثا فهو ان " الدعاية الداعشية " انتقلت من دائرة حرق مشاعر " المرتدين " الذين كانوا يشكلون حواضن اجتماعية لها الى دائرة حرق " مشاعرالكفار " الذين تعتقد انهم يشكلون " الحواضن " الاكبر المتخيلة لها , وبالتالي فان ضرب العواصم الاوروبية والغربية يتطابق مع هذه الفكرة , وهي هنا تتعمد اختيار هذه العواصم , ابتداء من باريس الى بروكسل , واضافة الى اسطنبول التي تعبر عن " رمزية " خاصة بالنسبة لداعش .
يبقى الشاهد الرابع وهو ان داعش اصبحت مستعجلة في " تصفية " حساباتها مع كل الاطراف التي اشتبكت معها , وسواء بدفاع الحصار المفروض عليها , او احساسها باقتراب " ساعة " انحسارها الجغرافي , فانها تريد ان " تثأر " ، ولا تمتلك الان الا "الذئاب المنفردة " الذين يستطيعون ان يضربوا باحزمتهم المتفجرة في كل مكان .
اذا اضفنا لهذه الشواهد عاملين اثنين : احدهما ما تمتلكه داعش من امكانيات بشرية مستعدة " للموت " من اجل فكرتها , ومن قدرة على اختراق الحواجز الامنية , ومن رغبة "بشعة” في تدمير العالم واشاعة الفوضى فيه , وثانيهما ما تعانيه الدول المستهدفة من صعوبات امنية واستخبارية في رصد شبكة " الارهابيين " ،وعدم جديتها احيانا في مواجهة الارهاب ،ناهيك عن تضارب المصالح واحتدام الصراعات وتوظيف حتى داعش لحساباتها , اذا تذكرنا ذلك فان فرصة داعش للانقضاض على العواصم , واختراق الحواجز الامنية , وبث الرعب وسط الجمهور القريب والبعيد , واستعادة " ثقة " المتعاطفين معها وجذب الاخرين لصفوفها , تبدو مناسبة , وفي توقيت مناسب ايضا .
لا يمكن ان نصدق ذلك او نتوقعه الا اذا اجبنا على سؤالين مهمين ، الاول : كيف تفكر داعش ،وماذا تريد في هذه المرحلة بالذات , والاخر : هل لدى العالم ما يكفي من جدية للقضاء على داعش , ام ان ثمة من يريد ان يوظفها لحساباته ومصالحه , وبالتالي فما الذي يجب ان نفعله نحن لحماية امننا من هذا الطاعون الذي اصبح ينتشر في كل مكان ؟.
لا اريد ان اجيب بالنيابة , لكن لا ادري لماذا تنتابني الهواجس والمخاوف من تكرار " غزوة " بروكسل في عواصم او مدن تعنينا, لقد ذكرت في مقال سابق ان هناك مشتركات عديدة بين بروكسل وبيننا على صعيد حضور داعش كتهديد متوقع , وعلى صعيد الرسائل التي تفكر في ارسالها لمن تختار من " بنك اهدافها” ،هذه المشتركات والرسائل يجب ان تنبهنا الى خطورة المرحلة القادمة التي ستواجه فيها داعش ضغوطات غير مسبوقة , والتي سنواجه فيها نحن ايضا استحقاقات لا نعرف مصدرها ولا من يقف وراءها .
باختصار , الحرب مع داعش وغيرها من نسخ التطرف , والارهاب ستكون طويلة , ويجب علينا ان نتهيأ الهيا بمزيد من الحذر والانتباه اولا , وبالخروج ثانيا من الرهانات الخاسرة على الاخرين , وثالثا باعداد اجيال محصنة من الوقوع في هذه الافخاخ المغشوشة , ثم رابعا بمصالحات داخلية تعيد لمجتمعنا عافيته , وتستأصل منه قابليات الخوف والياس والانتقام , هذه التي تشكل حواضن التطرف وتغريه على الدخول إلى بيوتنا وبلداننا بلا استئذان .