الفساد يطل برأسه من جديد..!!
لم تمض ايام قليلة على التصريحات التي اطلقها رئيس الوزراء حول « خلو « المملكة لمدة خمس سنوات من الفساد، حتى تفاجأنا « بأوراق بنما «
الان تغيرت الصورة، واصبح مطلوبا من الحكومة ان تثبت مصداقيتها في مواجهة نازلة « التسريبات « الجديدة، تماما كما فعلت دول اخرى استفزتها الحقائق فاستنفرت للتحقق منها والتحقيق فيها، وذلك لتطمين الناس على اموالهمم العامة، وعلى سلامة اوطانهم ونزاهة المسؤولين عنهم . اليس من حقهم ذلك ؟
لا اريد هنا ان ازيد، لكن احتفاء الرئيس بقطع « دابر « الفساد في السنوات التي تولى فيها مسؤولية ادارة الشؤون العامة، يدفع المراقب – لا سيما اذا كان مواطنا – الى افتراض مسألتين : اولاهما ان تجفيف ينابيع الفساد كانت على قائمة اولويات الحكومة، وانها انجزت فعلا هذا الملف ولم تسمح بمرور اي قضية فيها « شبهة « فساد، وبالتالي فان الفساد الذي تم القبض عليه متلبسا فيما مضى او الاخر الذي ظل « معلقا « في الهواء الطلق لا علاقة للحكومة به، وليست مسؤولة عنه، وعليه فان من واجبها علينا ان نرد عليها التحية بمثلها او باحسن منها، وان لا نحاسبها على ما فات، اما المسالة الاخرى فهي ان الحكومة لم تتمكن فعلا من القبض على قضية فساد واحدة، وبالتالي فان ما اعلنته صحيح، ليس لانه لا يوجد فساد وانما لانها لا تريد ان تضع يدها في « عش « الدبابير، كما انها لا ترغب في اعادة عقارب الساعة للوراء، فقد اكتفت « بكسر « عين الفساد والحد من « وقاحته « لكنها ليست متيقنة تماما انه انتهى او ان المتورطين فيه، وحتى الراغبين بالزواج منه عزفوا عنه او اشهروا طلاقه .
لا نعرف اي الافتراضين صحيح، لكن المؤكد انه لا يوجد بلد في العالم محصن من الفساد، والا لما وضعت الدول، كل الدول، قوانين لمكافحة الفساد، والتفتيش في « ذمم « المسؤولين ومحاسبتهم على اية « شبهة « فيها تجاوز للصلاحيات او حتى على مظاهر « للاثراء» غير المشروع، والا ايضا لما سمعنا بالقوائم التي ترتب الدول على سلم الشفافية لمكافحة الفساد، والتي ادرجتنا في مرتبة متوسطة، ولا سمعنا ايضا عن تسريبات « اوراق بنما « التي ضخت اكثر من ( 11 ) مليون وثيقة، ولا كنا بحاجة لدائرة مكافحة الفساد التي تذكرنا دائما بانها احالت مئات القضايا للقضاء، ولا الى ديوان المحاسبة الذي يضم تقريره « تجاوزات « بالملايين ارتكبها مسؤولون في الادارة الحكومية .
من المفارقات هنا اننا كنا نتحدث فيما مضى عن الفساد، ونستبسل في « شيطنة « المتورطين فيه، ونحتفي بما انجزناه في مكافحته، لكننا اليوم تجاوزنا كل ذلك، فنحن « محصنون « تماما من الفساد، وتربتنا خالية من اشواكه واحساكه، ولم يبق الا ان نخصص « يوما « للاحتفال سنويا بهذا الانجاز الذي لم يسبقنا اليه احد.
للانصاف، ربما أسهمت الإجراءات الحكومية في خفض صوت الفساد المالي، وحاصرت «رواد» الصفقات الكبرى المشبوهة، لكن لا نعرف بالضبط فيما اذا كانت قصص الفساد الاداري التي تتعلق بالتعيينات في المولقع العليا صحيحة ام لا، كما لا نعرف ايضا فيما اذا كانت الحكومة تمتلك الارادة لفتح ملفات الفساد المعلقة.
يبقى اخيرا ان مشكلتنا مع الفساد لا تتعلق فقط «برهط» من المسؤولين الذين استغلوا صلاحياتهم فامتدت ايديهم الى المال العام، وتورطوا في النهب والكسب غير المشروع، وانما ايضا مع حالة الافساد التي مارسوها لشراء ذمم الآخرين، واشاعة ثقافة الفساد في مجتمعنا وصناعة «طبقة» جديدة من «الاتباع» والمريدين الذين وظفوهم واستخدموهم لتلميع «صورهم» والتغطية على تجاوزاتهم واقناع الرأي العام بأنهم الاحرص على مصلحة الوطن.. والأكثر اخلاصاً وانتماء اليه.