أيهـا السـادة: نحـن ندافـع عـن بلدنـا!
حين يصبح الفساد سافرا لدرجة "الوقاحة”، ويتحول المتورطون فيه الى ضحايا او ابطال احيانا، وناسكين او واعظين احيانا اخرى، فإنه لا يمكن لضمائرنا أن تصمت أو تنام، كما لا يمكن لأقلامنا أن تنكسر، حتى لو كان الثمن ان يتم اقصاؤنا من الملة الوطنية، أو أن تشهر ضدنا اتهامات التحريض و "القبض” وربما العمالة ايضا.
أبسط ما يمكن أن نقوله هنا لكل الذين يحاولون التغطية على اخطائهم او للآخرين الذين يتعامون عن الخطأ ويصفقون له هو: إن مصلحة بلدنا أهم من الجميع، وأكبر من أن تختزل في "ذمة” مسؤول، أي مسؤول، وأسمى من أن تختطفها تصريحات مغشوشة بات أصحابها يعرفون "من أين تؤكل الكتف”.
لا يمكن أنْ نصدق أنَّ كل ما فعلناه في العقود الماضية لاستعادة عافية بلدنا، والدفاع عن قيمه النظيفة، يمكن ان يطير هكذا في لحظة واحدة، لدرجة ان بعض الذين يتحملون امانة المسؤولية لم يتورعوا عن إشهار مناكفاتهم دفاعا عن الخطأ، وإصرارا على تجاوز القانون.
لا أتحدث -فقط- عن فضيحة قائمة التعيينات في مجلس النواب وما دار حولها من لغط متبادل فاجأنا وصدمنا ايضا، وانما -ايضا- عن ملفات يحاول البعض العبث في نواميسها، وأهمها ملف هيبة الدولة والقانون، وملف المؤسسات وثقة الناس بها، وملف موقع”المسؤول” الذي تحول الى هدف للتشويه والتندر والابتزاز، كل هذه الملفات التي جرحها تراجع موازين العدالة والانصاف، والمصداقية أصبحت تدق امامنا نواقيس الخطر؛ ما لم نفتح عيوننا على ما جرى من تجاوزات، فنوقفها على الفور، وعلى ما حدث من استرخاء في مفاصل الادارة العامة فنعيد ربطها وتمكينها من جديد.
إن أسوأ ما يمكن أن يصل إلى الناس من رسائل في هذه المرحلة التي تنفجر فيها المنطقة من حولنا هو ان نتعامل مع عقولهم وقضاياهم بمنطق الاستهانة والتذاكي والمزايدة، وإلا كيف يمكن أن نفهم هذه السجالات التي تدور بين النخب التي تتولى ادارة الشأن العام، او ان نهضم هذه التجاوزات التي خرجت من الادراج المغلقة الى الجمهور، كيف يمكن ان نستوعب ان بلدا على خط النار لا يتورع البعض فيه عن الاساءة لمنظومة قيمه، وعن مصادرة حق الناس بالتنافس على ما تيسر من وظائف، او بالتعبير عما يعتقدون انه الصواب.
ما جرى في قضية "التعيينات” لابناء الذوات النواب واصدقائهم واقربائهم، وما تلاها من مناكفات ومكاشفات، يضعنا مجددا في دائرة " الخيبة "، ويدفعنا الى مصارحة اخواننا المسؤولين بان ما حدث "عيب” لا يجوز ولا يمكن ان يمر هكذا، وأقلّ ما يمكن ان نفعله هو ان نعود خطوة للوراء، فنلغي "القائمة” من اصلها ونعتذر عما ارتكبناه من اخطاء ونعد الناس بانها لن تتكرر.
في وقت مضى كانت نماذج "النظافة” في بلدنا تلهم ابناءنا الشباب وتزرع بداخلهم "فسائل” الانتماء والاخلاص ومحبة الوطن، كانت الشخصيات الوطنية التي تعمل في ادارة الشأن العام تمثل منطق النزاهة والثقة والاعتزاز، وهو منطق الدولة الاردنية نفسها، فلماذا تراجعت هذه النماذج واختفت تلك الشخصيات وافتقدنا ما ألفناه في مجتمعنا من قيم واخلاقيات؟
الاجابة بالطبع معروفة، لكن الاهم منها هو ان نبدأ "بترميم” الاخطاء واستدراك اخطارها، وألا نجامل ابداً فيما يتعلق بمصلحة البلد، وألا تآخذنا "العزة” بإلاثم خوفاً وطمعاً.
الآن، بوسعنا ان نقول بصراحة، ان الخطر الذي يتعرض له بلدنا لا يتعلق فقط "بعواصف” الاقليم، وفزاعات التطرف والارهاب، وتحولات "الحلفاء” ومكر الخصوم والاعداء، وانما يتعلق "بالذات” والداخل والنفس، ومالم ننهض لإصلاح هذه المنظومة وبناء مشروعنا الوطني وتحصين جبهتنا الداخلية من الفساد وارتداداته، فان هواجسنا ومخاوفنا من الحاضر والمستقبل ستبقى قائمة، ولن يبددها الاّ "صبر” الناس وتحملهم، هذا الذي نخشى ان ينفد في لحظة لا يستطيع ان يتنبأ بها أحد.