بدل ان نقف على قدم واحدة..؟!
كأننا نقف على مقاعد المتفرجين ، فيما العالم من حولنا يتحرك في كل اتجاه.
هذه الخلاصة التي اخشى ان تكون صحيحة ذكّرتني بها مناسبتان اثنتان ، الاولى تتعلق بما جرى في الاقليم ، ابتداء من زيارة خادم الحرمين لكل من القاهرة والرياض ، وما تمخضت عنه من نقاشات وتفاهمات وردود افعال ايضا ، ومع اننا لم نكن جالسين على طاولة الحوار ، ولا مدرجين في جداول الاعمال ، الا ان بعض نتائج وارتدادات ما حدث يعنينا وربما سيصلنا ، سواء فيما يتعلق ببروز اشارات حلف جديد يضم كل من السعودية ومصر وتركيا ، او فيما يتعلق ببناء الجسر بين السعودية ومصر ، او حتى بمجمل التفاهمات و”الصفقات” التي ستؤثر علينا وتمس مصالحنا ، ولهذا فان من واجبنا ان نتحرك في دائرة امكانياتنا وضروراتنا الوطنية ، لكي لا نتفاجأ بما لم نحسب له حساب.
اما المناسبة الثانية فتتعلق بما جرى على صعيدنا الداخلي خلال الايام المنصرفة، حيث كشفت تراشقات النخب عن مكامن الضعف في مفاصلنا العامة، وتزامن مع ذلك شعور الناس بالصدمة والاهانة معا مما رأوه وسمعوه ،يمكن بالطبع ان نفهم ما جرى في اطار "عموم البلوى” التي اصابتنا ، لكن ما لا يمكن ان " نبتلعه " هو ان الجميع للاسف (دعك من وسائل الاعلام) التزم الصمت ولم يتحرك ، كما اننا لم نلتفت ونحن نمارس " الفرجة " الى ان بلدنا يتعرض لظروف وخيارات سيئة ، ولا يملك ترف اللعب او المغامرة او الانشغال بصراعات مغشوشة بين النخب من اجل مصالحها على حساب قضايا الناس وحاضر البلد ومستقبله.
المشكلة ان سؤال اولوياتنا يبدو اليوم غائبا عن كثيرين ممن يتبؤون المناصب العامة ، لا اتحدث هنا عن اولويات المرحلة القادمة على صعيد استحقاقات الانتخابات البرلمانية وارتباطها برحيل الحكومة ، وانما الاهم اولوياتنا الوطنية الكبرى التي تتعلق "بالوجود” لا "بالحدود” ، والوجود هنا نحدده نحن الاردنيون وندافع عنه نحن ايضا ، سواء تعلق بالهوية او بمواجهة تهديد الارهاب الداهم على حدودنا او بما يجري الترويج له من مشروعات "متصارعة” في المنطقة وعليها.
صحيح ان حركة السياسة الاردنية في السنوات الماضية نجحت في بناء توازنات ومعادلات حافظت على استقرارنا وجنبت بلدنا الاخطار ، وصحيح ايضا ان مواقف "الحياد” الايجابي التي اتخذناها كانت كفيلة بابعاد بلدنا عن خطوط النار ، لكن الصحيح ايضا ان المستجدات التي تتسارع وما يترتب عليها من تسديد فواتير واستحقاقات تفرض علينا ان نفتح لواقطنا في كل اتجاه لكي نستبق الاحداث قبل ان تداهمنا ، ولكي نضمن مقعدنا على الطاولة بدل ان نكون غائبين عنها ، او حتى مستهدفين مما طرح عليها من تحالفات وتسويات وصفقات.
اكثر من خمس سنوات ونحن نقف على قدم واحدة بانتظار الحلول السياسية التي ربما لن تأتي ، ومع اننا ندرك ان مصير المنطقة اصبح بيد القوى الدولية والمتحالفين معها في الاقليم ، الا ان مصيرنا لا يجوز ان يقرره احد الا نحن ،طبعا اذا اردنا ذلك، وبالتالي فان ثمة فرصة ثمينة امامنا لبناء قاعدة اجتماعية وسياسية صلبة وقوية ، وقادرة على امتصاص الصدمات وصد الاخطار ايضا.
ارجو ان لا تسألني : كيف..؟ فعلى امتداد تاريخ تجاربنا تولدت لدينا قناعة( هل تأكدت واستقرت حقا..؟) ان الاردن القوي يصنع المعجزات ، وعناصر القوة فيه تكمن في المجتمع بمختلف مكوناته واتجاهاته حين يتوحد ويتماسك ، وبالارادة السياسية حين تتصالح وتتقارب مع المجتمع ، وبالمؤسسات القادرة على اقناع الناس بأنها تمثلهم ، وبالاصلاح الحقيقي الذي ينتصر على نقاط الضعف ويعيد الامل والهمة ويوجه البوصلة الوطنية نحو الهدف الصحيح.
لا اريد ان اخوض في تفاصيل التحولات التي تجري حولنا ، ولا في مواقف القوى الدولية "المتغيرة” تجاه منطقتنا ، اشير فقط الى اننا امام حالة من السيولة السياسية (اشبه ما تكون بالخماسين المثيرة للغبار) ، ونحن لسنا بعيدين عنها ، وهي تفرض علينا ادوارا جديدة كما تستوجب مقاربات وتكيفات ومبادرات ذكية ، واذا لم نتحرك في ضوء ذلك فان عجلاتنا ستبقى تدور في اتجاه مسدود.