أولا يكفي ذلك..؟!
لا أدري اذا كان المواطن المسلم والعربي ما زال يشعر بالكرامة الوطنية ، والكرامة - هنا - مرادفة لمفهوم المواطنة الحقة ، وكلاهما يعبر بشكل او بآخر عن قوة الوطن التي تستمد شرعيتها من قوة المواطن ، وسواء كانت الاجابة بلا او بنعم ، فان التباسات كثيرة طرأت على مفهوم الكرامة ، واذا كانت ذاكرتنا ما تزال تردد مقولة من نوع " نموت ليحيا الوطن " ، فان مجانية هذا الموت او دوافعه المشبوهة احياناً دفعت البعض الى استيلادها بمقولة اخرى هي " نعيش ليحيا الوطن " ، ولا فرق بين الموت والعيش - هنا - إلاّ بمدى حضور الكرامة او غيابها.. حضورها يمنح الخيارين معنى وقيمة ، وغيابهما يجردهما من اي مدلول او قيمة.
لا اريد ان استغرق في المفاهيم ولا في المقاربات بين الامة ـ الدولة ، والفرد ـ الشعب ، او الوطن ـ المواطنة ، باعتبار الاولى تمثل ارضاً ذات سيادة وشعب حر وقانون بينما يمثل الوطن حالة وجدانية يصعب تقييدها او قياسها الاّ على مسطرة الكرامة ، ولكنني أردت ان أعيد لذاكرتنا التي استرخت او استسلمت لمحاولات التهذيب والشطب (لكي لا أقول المسخ) بعضاً من المفاهيم التي تحتاجها اليوم وهي تصارع على اكثر من جبهة: جبهة البحث عن الرغيف ومستلزمات الحياة الاساسية ، وجبهة البحث عن الحرية والمشاركة والعدالة ، وجبهة الصراع المحتدم على الهوية والخصوصية ، وجبهة الدفاع عن الكرامة الذاتية والوطنية التي يحاول البعض اختطافها.
والكرامة - هنا - ليست مجرد مفهوم يحتاج الى تحرير او تعريف ، وانما حالة تمارس وتتفاعل وتنمو ، قد تشعر بالمرض احياناً ولكنها سرعان ما تتعافى ، وبالقهر احياناً لكنها تتسامى ، وهي تحتاج الى تربة مناسبة ومناخات دافئة ، والى حاضنات سياسية واجتماعية وفكرية تحررها من الخوف ، وتحميها من الانجماد ، وهي - بالتالي - لا تُستدعى في حالات الخطر فقط ، ولا تستحضر عند الحاجة اليها ، وانما تتوالد بدافع الحب والرغبة ، وتصدر من ارادة حرة ، وتنتعش كلما أحست ببارقة امل ، او كلما تصاعدت قوة الوطن الذي تعتبر به ، وارتفعت اسهم المواطنة الحقة في بورصة الدولة التي تعتمد مسطرة الكرامة لقياس مكانة الانسان ـ المواطن فيها ، لا غيرها من المساطر.
والكرامة - ايضاً - انجاز ، وأيّ انجاز؟ لا يتحقق الا في الاوطان التي تستقي ارادتها من ارادة مواطنيها ، وفي المجتمعات التي تتمتع بعافيتها الاجتماعية والاخلاقية ، وفي الناس الذين تجاوزوا كل انواع الانتماءات والمصالح الضيقة الى الانتماء للوطن الواحد ، والمبادىء المشتركة ، والمصالح العليا التي شاركوا في تحديدها وتوافقوا عليها.
والكرامة الوطنية لا يمكن ان تنفصل عن الكرامة الشخصية ، ذلك ان احساس المواطن بالغبن او بالظلم او بغياب العدالة والمساواة.. الخ ، يجرح احساسه بالكرامة العامة ، ويرسخ لديه انواعاً شتى من الكراهية والانكفاء.. او فقدان الثقة وممارسة الوان النفاق الذي يضمن له استرداد جزء من المنافع الضائعة.
ما احوج الكرامات المجروحة - اليوم لمن يدافع عنها ، او لمن يعيد فتح ملفاتها المنسية ، او لمن يطمئن اصحابها - الاموات والاحياء - بان ارادة صيانتها وحمايتها من العبث ما تزال موجودة.. ولن تستسلم لذاكرة النسيان.وما احوجنا لان نتذكر دائما باننا مكرمون لذاتنا من خالقنا ..اولا يكفي ذلك؟