لماذا وصل الإخوان إلى طريق مسدود..؟!
مرة أخرى، هل كان بمقدور الإخوان أن يتجنبوا أو يؤجلوا قرار "إغلاق” مكاتبهم؟
على امتداد العامين المنصرفين التقيت العديد من الشخصيات الإخوانية من مختلف التيارات، كان لدي رغبة صادقة في تقريب وجهات النظر بينهم، وردم "فجوة” عدم الثقة التي اعتقد انها اتخذت في الاتساع، ودون الدخول الى التفاصيل التي آلمتني احياناً وصدمتني احياناً اخرى، انتهيت الى قناعة اكيدة وهي ان ابواب اللقاء والتفاهم اصبحت مسدودة امام الجميع، وبالتالي لا جدوى من اية محاولة لاعادة عقارب ساعة "الإخوان” للوراء، فقد توقفت تماماً، ولا يمكن إصلاحها ايضاً.
حين حاولت ان اجيب عن سؤال: لماذا حدث ذلك، وجدت امامي عشرات الاسباب التي يمكن ان تدرج في هذا السياق، بعضها اسباب ذاتية تتعلق بما تعرض له التنظيم من اصابات وجراحات، وبعضها اسباب موضوعية تتعلق "بالمحيط” والمناخات والتدخلات الخارجية، لكنّ ثمة سببين اساسيين استوقفاني اعتقد انهما شكلا عنواناً لمحنة الاخوان، الاول منطق الانكار والمكابرة والعناد الذي اتسم به اداء الجماعة في السنوات الاخيرة، والثاني منطق الاستعداء (صناعة الاعداء) الذي لازم بعض القيادات فيها ، ودفع اقرب الناس اليها للانفضاض عنها.
تحت العنوان الاول (الانكار) يمكن ان نتحدث طويلا عن سلسلة من الاساطير والاوهام التي تغلغلت في عمق ووعي الجماعة، منها مثلا اسطورة ثنائية الدولة والاخوان التي جعلت بعضهم يتصور انهم "ندّ” للدولة، وشريك (لا مشارك) لها، كما دفعتهم الى لزومية اقتران شرعيتهم بشرعية الدولة لمجرد ان الجماعة تأسست مع تأسيس الدولة، وبالتالي ولّدت لديهم حالة من "الانكار” للمتغيرات التي جرت، والواقع الذي طرأ وأصبح من الضروري ان "يتكيفوا” معه لضمان بقائهم واستمرارهم، كل هذا لم يأخذوه بعين الاعتبار، ولم يدرجوه في حسابات سياسية ابسط استحقاقاتها "التنازل” والخروج من حالة التصلب والجمود الى المناورة والأخذ والرد.
بمنطق "الانكار” تعاملت الجماعة مع ازمتها الاخيرة، لدرجة انني صدمت حين كرر احد قياداتها امامي اكثر من مرة ان كل ما يجري مجرد "زوبعة في فنجان” وان الجماعة بالنسبة للدولة خط احمر لا يمكن الاقتراب منه ناهيك عن العبث به، ادركت حينها ان مثل هذه القيادات ما زالت تعيش في "الكهف”، ولا صلة لها بالواقع كما انه لا علاقة لها بالسياسة ايضاً.
لم ينخدع الاخوان، كما يتصور البعض، وانما ترسخت لديهم قناعات مغشوشة (مسددة دينياً) ان الجماعة ستظل باقية وتتمدد، برغبة الدولة وحاجاتها لهم او حتى رغماً عنها، وبأنهم ليسوا فقط جزءاً من النسيج الاجتماعي والوطني وانما ايضاً "مظلة” اجتماعية او عشيرة كبيرة لا يمكن "اللعب” فيها، واذا حدث ذلك فإن الدولة –وحدها- هي التي ستخسر.
اذا سألتني لماذا ترسخت حالة "الانكار” هذه سأجيبك على الفور بأن الاخوان دعاة بالاصل لا علاقة لهم بالسياسة، وحتى الذين امتهنوا السياسة منهم، سرعان ما وجدوا انفسهم منبوذين او مطرودين خارج التنظيم، ثم ان الذين تبؤوا مواقع القيادة في السنوات الاخيرة الغوا تماماً "المشتركات” التي كانت يمكن ان تنشىء حواراً وتفاهماً مع اخوانهم داخل الجماعة اولاً ومع الدولة ايضاً، وظلوا مشدودين دائما الى "مساحة” الاختلاف فوسعوها واقاموا حولها المزيد من الجدران.
اما فيما يتعلق بعنوان "الاستعداء” فأبسط ما يمكن ان يقال انه ولّد داخل الجماعة حالة متراكمة من النفور والقطيعة والكراهية، كما ولّد خارجها حالة دائمة مع الصراعات المجانية وخسارة المتعاطفين والحلفاء، لا اتحدث فقط عن سجل طويل من المناكفات وصراعات المصالح وانما عن موجات التفكير والتخوين والطعن في الاعراض وقرارات الفصل والانشقاقات، وكلها بسبب اعتماد منطق "الاستعداء” حيث نجحت بعض القيادات التي احتلت المناصب المتقدمة في "صناعة الاعداء” للجماعة، وبالتالي خسرت ابرز اعضائها وقياداتها والسابقين فيها، وبدل من ان تكسب المزيد من المتعاطفين خسرت اقرب الناس اليها.
هل دخل طرف اخر (حماس مثلا) على خط الاخوان؟ وهل أسهم هذا الدخول في تضخيم شعور الجماعة بحالة الانكار والاستعلاء والاستعداء والمغالبة... وهل وقع الاخوان في الفخ الذي نصبته الدولة لهم او في فخ الاوهام التي ترسخت داخل التنظيم واحتلت الفكرة ايضا ..؟ هذا ما سنحاول الاجابة عنه غداً إن شاء الله.