هل المشكلة في الرسائل ام في اللواقط..؟!
اعتقد ان حاجتنا اليوم الى فقه المصارحة يتقدم على كل ما نفكر به من اولويات اخرى حتى اولوية الاصلاح نفسها ، ذلك انه لا يمكن ان نقنع الناس ونطمئنهم على حاضرهم ومستقبلهم ، وننتزع ما يشعرون به من قلق وارتباك ، ما لم نتعامل معهم بمنطق «الكلام المباشر» بما يقتضيه من صدقية وصراحة ، وبما يبعثه من رسائل واضحة يستطيع الناس ان يستقبلونها بوضوح لردم ما حدث من فجوة او فهم ما جرى من مستجدات او لطي صفحة الماضي بما اعتراها من هنات وخلل.
حينْ تكون الرسائل واضحة ومفهومة يسهل على الناس التقاطها واستقبال ذبذباتها المختلفة والتعامل معها «بروح» عالية من المسؤولية والتفهم ، ويصعب على هواة العبث اختراقها او «تجييرها» لحساباتهم الخاصة ، أما حين تكون مرتبكة او مغشوشة او منقوصة او مستعجلة او يكون قد اعتراها أي خلل في المواصفات، حينئذْ نقع في المحذور ، ونفتح المجال لمزيد من الاشاعات والقراءات المغلوطة، ونهرب الى الشروحات والتعقيبات على الهوامش ، ونصبح «هدفا» مباشراً لنيران الخصوم ، والنيران الصديقة ايضاً.
صحيح اننا نجتهد في فهم الرسائل السريعة التي تصلنا – بكثافة – من كل اتجاه ، تلك – بالطبع – مهمتنا في هذه المهنة المتعبة والعزيزة ايضا ، لكن نشعر – احياناً – أننا نواجه فشلا ذريعا في قراءة هذه الرسائل، ونكاد نبحث – بلا جدوى – عن خبراء – أي خبراء – لفك (شيفراتها) ، او تفسير ما تتضمنه من اشارات او ما يعتريها من تشويش في الاتصال ، او غرابة في المحتوى والمضمون.
هل المشكلة في اجهزة (اللواقط) التي نمتلكها ويبدو انها اصبحت قديمة أم في خطوط الاتصال أم في الرسائل ذاتها؟
دعونا نتوقف عند هذه الاخيرة: الرسالة الجيدة يفترض ان تتوفر فيها مواصفات عديدة ، منها: ان تكون واضحة ومفهومة لكل من تخاطبهم ، قابلة للتطبيق والانجاز وواقعية يمكن التعامل معها، تراعي قيم الناس ومزاجهم العام، تحمل مصداقية لا مجال لتجريحها او الشك فيها، تختار التوقيت المناسب لموعد اشهارها ، وان تكون مقنعة في مضامينها، مؤثرة فيمن يسمعها، بعيدة عن الاسهاب والاستفزاز، ومعبرة تماماً عما يريده الناس ويتوقعونه ان لم يتسنَ لهم أن يشاركوا فيها اصلا.
هل تنطبق هذه المواصفات على الرسائل التي تصلنا من المسؤولين في بلادنا؟
لنأخذ نموذج التعديلات الدستورية التي تحتل اليوم صدارة اجندتنا، هل استطاعت رسائل الحكومة ، بأنواعها الصامتة والمعلنة، ان تصل الى المواطنين بوضوح وان تقنعهم، ام انها كانت «مشوشة» بما يكفي لاثارة الهواجس والمخاوف من القادم الذي – ربما – لا يعرفه احد ، لنأخذ نموذجاً آخر يتعلق بما جرى على صعيد التعديل الوزاري الذي جرى بخروج وزير الداخلية ، خذ ثالثا نموذج اشتباكاتنا حول التعليم العالي ابتداء من معركة « رئيس الجامعة الاردنية» مرورا بفزعة «مواجهة تدعيش المناهج» من خلال اللجنة التي شكلت لمواجهة التطرف ، وانتهاء بقرارات رفع الرسوم الجامعية واعتصامات الطلبة ، هل دخلنا في متهاة التعليم دون ان نملك ما يلزم من رؤية لفتح ملفه ومعالجة مشكلاته بروح علمية ووطنية جادة..؟
المسألة لا تتعلق فقط بانتقاد سلوكيات الحكومة اوغيرها من الاطراف التي دخلت على خط القرار، فتلك مهمة تتجاوز المقصود من هذا المقال ، وانما تتعلق بحاجتنا الى فهم هذه المرحلة التي يمر بها بلدنا ، باخطار لها استحقاقاتها الداخلية والاقليمية ، وبضرورة تبديد كثير من «الالغاز» والهواجس التي ساهمت هذه الرسائل ، بقصد او بدون قصد ، في ترسيخها لدى الناس ، وبأهمية انتاج «خطاب» مفهوم وواضح ، يجمع ولا يفرق ، يعزز ولا يحبط ، يقنع ولا يستفز ، يحفز على العمل والامل ولا يرسخ الخوف والكسل.
لا ادري اذا كانت هذه «الرسالة».. قد كتب لها ان تكون واضحة بما يكفي أم انها أصيبت كغيرها من الرسائل التي اشرنا لها سلفاً بالقصور والخلل؟ ارجو ان يكون نصيبها من الاول، واعتذر اذا كانت حظوظها عاثرة..