اضع توقيعي على مبادرة د. الرزاز..!
لا يكفي ان نشتم الفساد ثم نعود الى بيوتنا مطمئنين اننا قمنا بالواجب ، المطلوب ان نفعل كل ما بوسعنا لكشفه وفضح المتورطين فيه ، ثم نتحرك بما لدينا من ادوات "سلمية” لمنع مروره وتمدده في بلادنا .
ذكرني بالموضوع المبادرة التي اطلقتها بعض مؤسسات المجتمع المدني وتبناها رئيس منتدى الاستراتيجيات د عمر الرزاز ، حين التقيته مع الصديق محمد ابو رمان قبل ايام تحدث عن هذه الخطوة بحماس ، واعتبرها واجبا وطنيا واخلاقيا ، اذ لا يمكن لمواطن غيور على بلده ان يظل صامتا وهو يرى بعينيه كيف يتصارع المسؤولون لاقتسام الغنائم وتوزيع الوظائف على اولادهم واقربائهم ، بل ولا يترددون في اشهار ذلك والافتخار به ، باعتباره حقا من حقوقهم الخاصة.
في تصريحاته الاخيرة يقول د . الرزاز "نحن؛ كمواطنين ومؤسسات مجتمع مدني، معنيون بمراقبة عمل كافة السلطات، وتشكيل ضغط شعبي بالاتجاهات التي تخدم المصلحة العامة، لذلك نرفض السكوت عن تجاوز نظام الخدمة المدنية، كما نرفض تكريس مبدأ المصلحة الفردية على حساب الصالح العام بمنح الامتيازات لمن لا يستحقها عن طريق سلب الحقوق من أصحابها، ولأننا نصر على الالتزام بالقوانين والانظمة، ولأننا نؤمن بأن المواطنة تقوم على العدالة الاجتماعية التي كفلها الدستور، وتُترجم بتكافؤ الفرص، وباعتماد الكفاءة معياراً أساسياً في التعيين لخدمة العملية التنموية التي نحن بأمس الحاجة للنهوض بها”.
ثم يضيف " "إن ذلك يجرنا عشرات الخطوات إلى الوراء؛ بالإضافة لزعزعة ثقة المواطنين بالسلطتين معاً، شكلت هذه السابقة خرقاً فاضحاً للحاكمية الرشيدة، بما فيها من تغاض سافر عن مبادئ الشفافية والمساءلة، وتجاوز صريح للفصل بين السلطات نحو علاقة تبادل المنافع على حساب المصلحة العامة”.
لهذا - يقول د الرزاز - نطلق نداءنا لنقول: نعم للعدالة الاجتماعية، كفانا واسطة ومحسوبية. لنطالب من خلاله كل الجهات المعنية من قضاء، وهيئة مكافحة فساد، وديوان مظالم، ومسؤولين غيورين على إنجازات الأردن... اتخاذ الاجراءات اللازمة لابطال كل التعيينات التي تمت بتجاوز أنظمة ديوان الخدمة المدنية وفي جميع مواقع الدولة الأردنية، حتى نعيد للسلطات الثلاثة هيبتها من خلال ثقة المواطنين بعدالتها وحاكميتها، ولكي تسير عجلة التنمية بكامل قدرتها بالاتجاه الصحيح”.
قبل ان اضم صوتي الى صوت الصديق د الراز واضع اسمي على قائمة المطالبين بابطال كافة التعيينات التي تفوح منها رائحة التجاوز على القانون ، وفي مقدمتها تعيين نحو 109 في مجلس النواب مؤخرا ، استأذن بتذكير القارئ الكريم بما اشرت اليه اكثر من مرة في هذه الزاوية حول الموضوع نفسه .
اولا: لا أخفي انني اشعر "باهانة” شخصية كلما قرأت او سمعت عن حالة من "الفساد” الوقح الذي تزاحمت ملفاته علينا حتى لم نعد نملك القدرة على متابعتها، ومع ان اي من هذه "الملفات” لا تربطني بالمتهمين فيه اية علاقة، ولا يترتب عليّ شخصيا اية آثار، الا انني اعتقد بأن كل من مارس الفساد أهاننا جميعاً، وبالتالي اصبح من حق كل اردني ان "يرد” هذه الاهانة بالالحاح على اقامة موازين العدالة ومحاسبة هؤلاء الذين اساؤوا للبلد، وافسدوا حياتنا وضمائر البعض منا وذممهم.
ثانيا : اتساءل احيانا: هل مكافحة الفساد مطلب شعبي ام لا؟ وهل ثمة فساد مطلوب "للمكافحة” واخر مسكوت عنه؟ هل يتعلق الاول بصغار المفسدين من طبقات العمال والموظفين والاخر بالكبار الذين تصعب مساءلتهم او حتى الاشارة اليهم باصبع "من اين لك هذا؟” ثم لماذا اصيب مجتمعنا بهذه الازدواجية التي "شطرت” مواقفه الى درجة التناقض ، هل المشكلة في مزاج المجتمع وحساباته ومصالح بعض افراده ام في المقررات التي تصدر ، والاجراءات التي تتخذ والاولويات التي تقدم؟.
ثالثا : لقد اصبح لدى الناس في بلادنا "قابلية” لتصديق أية تهمة بالفساد، لدرجة اصبح البعض يعتقد أن كل مسؤول هو مشروع فساد ،حتى وإن ثبت عكس ذلك، والمشكلة -بالطبع- لا يتحمل وزرها الناس فقط ، بل تتحملها سياسيات عامة وإجراءات رسمية وقفت عاجزة عن فتح ملفات الفساد والتحقيق فيها بجدية ثم تقديم الفاسدين الحقيقيين للقضاء كي ينالوا ما يستحقونه من حساب، ما أكد لدى الكثيرين قناعة (تعمَّدنا ربما ترسيخها )بأن الفساد أصبح أكثر وقاحة مما نتصور.. وأننا لم نستطع – بعد - "كسر عينه” كما يجب.
رابعا: اذا سألت اليوم عن "سر” تراجع هيبة الدولة وهيبة المجتمع وهيبة القانون وغيرها، ستكتشف بان الاجابة الصحيحة عن هذا "اللغز” هي: انحدار "الثقة” بين الناس والمسؤولين عن ادارة شؤونهم العامة، ولعل الامتحان الذي افرز هذه الاجابة هو امتحان مكافحة الفساد.هذا الذي فشلنا فيه للاسف.
خامسا : حين صدمنا رئيس هيئة مكافحة الفساد السابق السيد سميح بينو بتصريحاته التي اعترف فيها بأن” مراكز قوى متنوعة تغوَّلت وزرعت بذور الفساد في البلد وهيأت بيئة لتكاثر الفاسدين والمرتشين وغضت الطرف عن ممارساتهم وجيَّشت إعلاما مدفوع الثمن للدفاع عن ممارساتهم والتغني بإنجازاتهم وتبييض صحائف تاريخهم” اعتقدنا آنذاك أننا امام مرحلة جديدة من المكاشفات والمحاسبات وأننا سنرى رؤوسا كبيرة في قفص الاتهام وامام العدالة ، لكن الرياح على ما يبدو سارت بما لا تشتهي السفن!!
باختصار : ما الذي يدفع الناس الى التشكيك بكل ما يصدر عن المسؤولين من مقررات واجراءات حتى لو كانت في ظاهرها تشكل تحولات نوعية في تاريخ بلدنا او حلولا منطقية لمشكلات مزمنة؟ الجواب : انه الفساد..هذا الذي يطل علينا كل يوم بوجه جديد.
شكرا للصديق د عمر الرزاز الذي ذكرنا باننا يمكن ان نفعل شيئا لمواجهة هذا الوباء.