نحن و السعودية
حسين الرواشدة
جو 24 :
صحيح ان العلاقة بين الاردن والسعودية استعادت عافيتها، وصحيح ان هذه العلاقة تتجاوز دائرة المصالح المتبادلة –على اهميتها- الى ما هو اعمق، حيث التاريخ والجيرة والروابط الاجتماعية المشتركة، لكن الصحيح ايضاً هو اننا بحاجة الى قراءة اخرى مختلفة على صعيد علاقاتنا مع اشقائنا، قراءة تأخذ بعين الاعتبار التحولات التي جرت في السنوات الماضية، وانعكاساتها على المستقبل ايضاً.
اذا دققنا في اصداء النقاشات التي جرت في الايام الماضية على هامش الموضوع، نجد ان البعض حاول اختزال العلاقات الاردنية السعودية في "المكاسب” الاقتصادية، لدرجة ان احدهم بشّر الاردنيين بانهيال مئات الملايين عليهم في المستقبل، كما نجد ان اخرين نظروا للموضوع من زاوية "شخصية” وكأن العلاقات التاريخية بين البلدين مرتبطة بشخص ما، فيما الحقيقة انها اعمق من ذلك، نجد ثالثاً أن اجندة التعاون المشترك ما تزال مجرد عناوين فقط، وانها بحاجة الى لقاءات ومحادثات وتفاهمات، وبالتالي فإن تفاصيلها ما زالت في رحم الغيب.
اذا اجتهدنا اكثر في قراءة هذه العلاقات فإننا بحاجة الى استحضار بضع ملاحظات، الاولى هي ان الاردن تبنى على مدى السنوات الماضية خيار "الحياد الايجابي” تجاه ما يحدث في المنطقة من حروب وصراعات وتحالفات، وبالتالي فإن فتح الباب مع الاشقاء في السعودية يعني ان الاردن اصبح منحازاً، ولو نسبياً، الى التحالف الذي تقوده السعودية، مما يترتب على ذلك استحقاقات سياسية، السؤال هنا : الى اي مدى يبدو اننا مستعدون لدفع هذه الاستحقاقات ، وقبل ذلك ماهي هذه الاستحققات اصلا ..؟ الاجابة بالطبع لا نعرفها او لم تحسم بعد.
الملاحظة الثانية هي ان الحديث عن "المصالح” الاقتصاية، خارج دائرة المبالغة، يحتاج الى فهم الرؤية السعودية التي اطلقها الامير محمد بن سلمان في 25/4 من هذا العام،وهي باختصار تشكل نقلة نوعية في "بناء العلاقات” بين السعودية واصدقائها واشقائها من دائرة "الريعية” الى دائرة "ألاستثمار”، وبالتالي فإن المصالح الاقتصادية المشتركة مرتبطة بوجود "بيئة” استثمارية، صحيح ان لدى بلدنا فرصته للاستفادة من تدفق الاموال السعودية للمشاركة في مشروعات كبرى، لكن الصحيح ايضاً ان هذه الفرصة ستتوقف على قدرتنا على تهيئة هذه البيئة ، كما ان رهاناتنا عليها يجب ان تكون في حدود المعقول.
اما الملاحظة الثالثة فهي ان المنطقة تتعرض اليوم لصراع جديد عنوانه "مذهبي” وقطباه السعودية وايران، وبالتالي فإن مبدأ "تنوع الخيارات” الذي تبناه الاردن في علاقاته مع الجيران اضافة الى المبادرات التي تبناها تجاه التقريب بين اتباع المذاهب، ستصبح بحاجة الى مراجعة، ليس في اطار العلاقات السياسية فقط وانما في اطار حسبة الارباح والخسائر على كافة المجالات.
الملاحظة الرابعة هي ان ما حدث من فراغ في العالم العربي، دفع الاشقاء في السعودية لأن يكونوا بمثابة "الرأس” لقيادة الجسم العربي (السني تحديداً) وملء هذا الفراغ، وهذا الدور بالطبع له شروطه واستحقاقاته كما ان له طموحاته المشروعة احيانا، هذا يبدو مفهوماً، لكن الى اي مدى يمكن ان ينسجم هذا الدور الجديد مع ما نريده ونفكر به في دائرة حقوقنا وادوارنا المشروعة، هذا يحتاج الى تفكير ايضاً.
تبقى الملاحظة الاخيرة وهي اننا بحاجة –بالتأكيد- لدعم اشقائنا، وخاصة اقتصادياً، لكن الاهم من ذلك أننا بحاجة الى مساعدة انفسنا اولاً، لا تسأل كيف؟ فقد كشفت لنا السجالات التي شهدناها في السنوات الماضية اننا انشغلنا في حروبنا على بعضنا، بدل ان ننشغل في رؤية ذاتنا او بناء قدراتنا، وتحصين داخلنا، وقد حان الوقت فعلاً للخروج من دائرة "الرهان” على ما يقدمه الاخرون، مشكورين. الى الرهان على انفسنا..والاعتماد على ما لدينا من امكانيات ولقاءات وارادات ايضاً. هل نفعل ذلك .؟ لا ادري .(الدستور )