على اي المقاعد سنجلس..؟!
حسين الرواشدة
جو 24 :
ما هو المقعد الذي يفكر الاردن بالجلوس عليه وسط هذه التعقيدات التي تعصف باية طاولة سياسية يمكن ان تنصب في هذه المنطقة..؟
تحتاج الاجابة على السؤال الى استدراكين اساسيين ، الاول هو ان الاطراف التي دخلت الميدان مبكرا استطاعت ان تنتزع لها مقاعد على الطاولة ، ايران مثلا ، والمحور السعودي التركي القطري بدرجة اقل ، اما روسيا فقد استأثرت - الى حين- بالرئاسة ، فيما ظل الباقون يتناوبون على الهامش ، وفي مقدمتهم واشنطن وحلفاؤها ، نحن -بالطبع- انحزنا "للحياد” الجزئي واحيانا المتنقل ، لكننا الان تجاوزناهما ، ا و- على الاصح- وجدنا انفسنا مضطرين بحكم تسارع الاحداث الى تجاوزهما ، مما يستدعي السؤال عما اذا كنا نبحث عن مقعد ودور ام اننا سنظل ندور في مربع التناوب بين المقاعد.
الاستدراك الثاني هو ان تحالفنا الاستراتيجي منذ عامين ارتبط بمواجهة الارهاب الذي تمثله داعش ، لكننا الان نكتشف ( هل اكتشفنا حقا..؟) ان خطر داعش تراجع نسبيا ، او انه لم يعد الخطر الاساسي والوحيد الذي يهددنا ، فالى جواره هنالك اخطار اخرى تتمثل في القوى التي "التهمت” الكعكة في سوريا والعراق واليمن ولبنان..الخ، واهمها ايران ، هذه التي اصبحت على حدودنا ، فهل يمكن لنا ان نتعامل مع هذه "الجيرة” بمنطق المواجهة ام بمنطق الدبلوماسية والتفاهم..؟
يبقى استدراك ثالث وهو اننا كنا نتحدث فيما مضى عن "خيارات " نمتلكها ، واحيانا عن "تنوع” في الخيارات ، اما الان فيبدو اننا نفكر في "اضطرارات” ، وحتى في دائرة الاضطرارات فان مساحة المناورة تقلصت واصبحت محدودة تماما ، وبالتالي فاننا بحاجة الى مقاربات اخرى تعتمد على بناء "مواقف” متوازنة ومحسوبة بدقة اكثر مما نحن بحاجة الى الانضمام والانحياز لتحالفات ، وحين اقول "مواقف” متوازنة فانني اقصد وضع المصالح الوطنية كمعيار دائم لرؤية المستقبل ، وبالتالي التعاطي مع الوقائع والاحداث والمتغيرات بمنطق المستقبل لا الحاضر فقط ، وبمنطق الاستراتيجات لا التكتيكات ايضا.
في اطار البحث عن المقعد المناسب امام الاردن ثلاثة سيناريوهات ، الاول ان يجلس الى جانب المحور الذي يضم السعودية وتركيا وقطر والامارات( لاحقا مصر) ، لكن اذا دققنا في علاقة الاردن مع هذه الدول سنجد انها تتراوح بين "الدفء” كما هو الحال مع السعودية والامارات ومصر وبين البرودة بالنسبة لانقرة والدوحة ، وبالتالي فان مسألة الانضمام الى هذا التحالف والالتزام معه تبدو صعبة وغير ممكنة ، ويبقى ان العلاقة الاردنية مع السعودية والامارات تحديدا هي المقصودة ، ولا ترتب على الاردن - بشكل معلن على الاقل - الا التعاون في اطار المصالح المشتركة.
اما السناريو الثاني فهو ان يعيد الاردن بناء علاقات او تفاهمات مع طهران ، ولو كانت في اطار الحدود الدنيا ، وكما ان طهران ترحب بذلك فان "حماية” حدودنا الشمالية يقتضي وجود ملث هذه التفاهمات ، خاصة اذا انتقلت المعارك الطاحنة بعد حلب الى جبهة سوريا الجنوبية، وما يترتب على ذلك من احتمالات متعددة ، كلها تصب في خانة تهديد الاردن ، سواء اكانت من طرف داعش والتنظيمات التي بايعتها ، او من طرف طهران وحزب الله والنظام السوري، او حتى فيما يتعلق بتدفق اللاجئين.
يبقى السيناريو الثالث ويتعلق بمحاولة اعادة ترسيم علاقة الاردن مع محيطه( خاصة القوى الفاعلة في المشهد) على اسس جديدة ، هنالك مثلا خيار "عزل السياسة عن الاقتصاد” او استثمار السياسة في الاقتصاد ، والعكس ايضا ، وفق معايير تقوم على التنوع والجذب ، بمعنى ان السياسة الاردنية يمكن ان تتحرك في اطار مفتوح وغير مقيّد لاستجلاب استثمارات اقتصادية ، كما يمكن للاقتصاد ان يتحرك لاغواء السياسة وجذبها او تحديد بوصلتها ، دون اية اعتبارات مسبقة ما دامت النتيجة تخدم المصالح الاردنية والامن الوطني الاردني ، ووفق هذا السيناريو - اذا نجح - فان الاردن سيتحرر من اعباء التحالفات والشروط التي تفرض عليه ، وسيمتلك المرونة اللازمة لتدوي المواقف تبعا للمستجدات وبأقل ما يمكن من خسائر، تماما كما فعلت تركيا في علاقتها مع طهران والرياض.
السؤال : كيف سيترجم ذلك على الارض ، خاصة اذا كانت اطراف المعادلة متنافرة ، اقصد المواجهة بين طهران والرياض تحديدا ؟ الاجابة صعبة لكن يمكن تجاوز ذلك في حال قدرة الاردن على توسيع "فتحة الفرجار” في علاقاته مع العواصم الاقليمية كأنقرة وطهران ودول الخليج بشكل عام ، عندها يمكن ان يمارس الاردن دور "الموفّق” والوسيط او الاطفائي السياسي، كما يمكن ان يضمن علاقات افضل مع العواصم الدولية وخاصة موسكو وواشنطن في الوقت ذاته .
هل يمكن ذلك ؟ اعتقد ان ذلك ممكن وضروري ايضا ، لكنه سيظل مرتبطا بقدرتنا على تطوير امكانياتنا الذاتية وارادتنا السياسية ، وفي حال تمكن الاردن من ذلك ، فان خيار التنوع في العلاقات سيكون مخرجا سهلا للجلوس على المقعد الذي يستحقه ويختاره ، لا الآخر الذي قد يضطر للجلوس عليه ، وربما لا يجده ايضا.(الدستور )