يريدون أن يكسروا حاجز الصمت فقط..!!
حسين الرواشدة
جو 24 :
الدعوة التي اطلقتها بعض الحراكات للعودة الى الشارع يمكن فهمها في سياق "فشة الغل” احتجاجاً على بعض المقررات والسياسيات العامة، اوانها مجرد محاولة لكسر حالة الصمت الذي خيّم على الجميع، لكن يبدو ان حظها في التأثير والاستمرار سيكون ضعيفاً ، وبالتالي فإنني اخشى ما اخشاه ان تضيع رسائلها في الطريق.
لا يخطر في بالي ابداً ان اثبّط من جهود هؤلاء الشباب الذين يريدون ان يدخلوا من "الابواب” المشروعة للتعبير عن غضبهم من حالة الانسداد السياسي والتراجع الاقتصادي، كما لا اريد ان ادفعهم الى المزيد من الاحباط واليأس، لكنني اعتقد ان "قطار” احتجاجات الشارع في هذه المرحلة قد فات، وان المجتمع في عصر "موت” السياسة لن يتفاعل مع اية حراكات جديدة، ليس فقط بدافع الخوف على الامن والاستقرار الذي اصبحت "نعمته” لازمة على ألسنة الكثيرين، وانما ايضاً بدافع الاحساس بالخيبة من تجارب الماضي ومما حدث من مصائب لدى الاخرين ايضاً.
اذا استعرضنا فرص نجاح اية حراكات في الشارع سنجد ان هناك العديد من الاسباب المشروعة التي تطمئننا على حق الناس بايصال صوتهم للمسؤولين، وعلى قدرتهم على فعل ذلك، لكن اذا دققنا في التوقيت سنكتشف ان فرص النجاح تتراجع وتتآكل، كما سنكتشف ان العامين المنصرفين تحديداً شهدا تحولات كبيرة، سواءً على صعيد "اوزان” القوى التي شاركت سابقاً في الاحتجاجات، او على صعيد الاجراءات الرسمية ضد مثل هذه الحراكات، او حتى على صعيد "ايمان” الحراكيين انفسهم بجدوى الخروج الى الشارع.
لقد خرج "الإخوان” الان من معادلة "الشارع” ،ليس فقط لانهم انشعلوا بأزماتهم الداخلية، او لأنهم يريدون ان "يبردوا” الاجواء مع الدولة، وانما لأن التيار الذي يتولى القيادة الآن لم يكن متحمساً اصلاً لمثل هذا الخيار ، زد على ذلك ان خياراته الآن اختلفت تماماً بعد ان اصبحت اولويته استعادة مشروعيته السياسية والقانونية من خلال تقديم ما يلزم من "اوراق” تثبت صدق نواياه في تحالفه مع الدولة وقت الازمات.
على الطرف الاخر سنجد ان اليساريين ايضا مشغولون بهمومهم، سواء تلك التي تتعلق بمصير الأسد والنظام السوري، او الاخرى التي تتعلق "بطموحاتهم” السياسية التي حاولوا من خلالها ان "يملأوا” الفراغ الذي تركه الاسلاميون، زد على ذلك ان وزنهم في الشارع كان خفيفاً ولم يكن لهم تأثير معتبر فيما شهدناه من حراكات سابقة.
من يتحرك في الشارع اذا؟ لدينا –بالتأكيد- مجموعات من الشباب الذين يتوزعون في بعض المحافظات، ومع ان اعدادهم متواضعة، الاّ انهم يمتلكون ما يلزم من حماس وايمان بالقضايا التي يتبنونها، كما انهم –في الغالب- لا ينتسبون الى احزاب او جماعات منظمة، ولا يوجد "رأس” يقودهم، وهنا يفترض ان ننتبه الى اربع نقاط: الاولى ان هؤلاء الشباب يحاولون ان يعبروا عن ضمير المجتمع، لكنهم يفتقدون الى البرامج والادوات التي تقنع المجتمع بهم، كما ان عودتهم للشارع بعد التجربة الماضية جاءت في لحظة "مخاوف” متزايدة من امتداد الفوضى المحيطة بنا الينا، وبالتالي فهم لا يحظون بظهير سياسي ولا بعمق اجتماعي ولا ايضاً بقبول رسمي.
النقطة الثانية هي ان موضوع "الاجتماعات” والاحتجاجات تحوّل من ملف سياسي الى ملف امني، سواء بحكم التشريعات التي جرى اقرارها مؤخراً، او بحكم تقدم الاولويات الامنية على السياسية، وبالتالي فإن محاصرة اية احتجاجات او محاكمة المشاركين فيها اصبحت رادعاً يمنع الكثيرين من الاقتراب اليها.
اما النقطة الثالثة فهي ان الاحتجاجات مهما كان وزنها واثرها الاّ انها تبعث برسائل مهمة وخطيرة، ويفترض ان ننتبه اليها ونتعامل معها بمنطق الفهم والتقدير والاستجابة، لا بمنطق الشيطنة والاقصاء والحاكمة، اذا سألتني لماذا؟ لن اذكّرك فقط بما حدث حولنا حين تم الاستهانة بأصوات الناس، وإنما سأقول –فقط- ان مجرد السماح للناس "بالتنفس” فريضة واجبة في هذا الوقت، كما ان الاستماع لما يتردد في صدور الناس بعد صمت طويل افضل من الاعراض عنه وتجاهله والتهوين منه.
بقي نقطة رابعة وهي انه سواء عادت الحراكات للشارع او انصرف الناس الى بيوتهم والتزموا السكوت فإن من واجب المسؤولين في بلدنا ان يتحركوا لمعرفة ما طرأ على المجتمع من اصابات ورضوض وجراحات في معظم مجالات حياتهم، وان يستثمروا الفرصة لتطويق الحرائق "الكامنة” واستباق انطلاق "المارد” من قمقمه، فما يحدث حولنا يجب ان يرسّخ لدينا قناعة واحدة وهي ان نكون استثناء "في محيط مشتعل”، وهذا يحتاج الى رؤية اخرى اتمنى ان ننتزعها قبل فوات الاوان ، ومهما كان الثمن.(الدستور)