jo24_banner
jo24_banner

اللي بدكو اياه..

أحمد حسن الزعبي
جو 24 :

كان صوته الهادر في قاع الدار، يكتم باقي الأصوات و”يغيّر محطة التلفاز” ويعيد ترتيب جلوس الأولاد ، عندما كان واقفاً على رجليه كان يملك الهيبة كلها والسلطة كلها والحكمة كلها لا تنضج "طبخة” الا بموافقته ولا يتّخذ قرار الا بعد مشاورته ، كان قوياً وصلباً عندما كانت الأملاك باسمه؛ الدار، والدكّان ، والأراضي الزراعية الممتدة شرقاً وغربا..
أقنعوه بان عليه أن يرتاح قليلاً ، فقد كبر الأولاد واشتدّ عودهم وهم من سيحمل عنه أعباء إدارة البيت والدكان ورعاية الأراضي،واذا لم يثق بأولاده وأمهم بمن يثق إذا؟…تردّد أبو يحيى طويلاً قبل ان يتنازل عن كل شيء لكن بعد ان كثر "الزنّ” وافق الرجل وقام بإعطاء وكالة عامة للأولاد …وفور رجوعه من كاتب العدل ،لوقي بالعبارات المريبة والمحبطة: ” مالك بتلاهث.. وجهك اصفر.. رجليك بقصعن… تغطّى ونام” ..فتغطى الرجل ونام…
في اليوم التالي تغيّر الأمر تماما، صار صوته بالكاد يخرج من حنجرته واذا ما حاول رفعه محاولاً ان يستعيد هيبته ، تعمّد الأولاد رفع صوت التلفاز ليغطي على صوته ، منهم من انسدح على بطنه بحضوره ، ومنهم من بدأ التدخين العلني أمامه دون خجل أو وجل..لم يعد يملك سلطة على أحد ،لم يعد يستشيره احد أو ياخذ برأيه احد..حتى طعامه صار يأتيه بصحن خشبي صغير دون ان يستشار هل تحب هذا الصنف او لا تحب؟؟…

عرف أنه فقد مقود القيادة تماماً لا بل صار حمولة زائدة منذ أن سلّمهم مفاتيح أملاكه وقراره ، ولأن الأمور "طوقعت” معه تماماً بات مرمياً في غرفة مهملة معتمة ولا تعليق لديه على ما يجري أمام عينيه … ولا اعتراض له على الخطأ سوى بعبارة يتيمة :” ساووا اللي بدكوا اياه”…
حضر الابن الأول فتح شق الباب وقال : حجي حبينا نخبرك..انه أجانا سعر بالغربيات وبعناهن..مهن خليط وشريك لا بنفرزن ولا بيتقسمن وأمي وافقت!! ..
رد الأب بإفلاس : (سووا اللي بدكو اياه)..
في اليوم التالي مر الابن الثاني: أنجيب لك حلو ولا بيرفع السكري؟؟
رد الحجي: حلو شو؟؟…
الابن: بعنا الأرض الشرقية كلها..شو بدنا فيها لا بتصلح الزراعة ولا الفلاحة وأمي وافقت..
رد الأب بتسليم الأمر : "سووا اللي بدكو اياه”..
ترك الولد الباب مفتوحاً وغادر….
بعد دقائق مرّت ام العيال من أمامه تطقطق بكعب عال..رايح ع الخياطة أفصل ثوب..إذا جعت..الأكل "مغطّا عليه” بالمطبخ!..
رد من جديد: "سووا اللي بدكو اياه”…
آخر العنقود..كان يلعب بسلسلة مفاتيح وخاطبه بصوت ناعم : حجّي..حبينا نقلك انه بعنا الدكّانة والدار ..الدكانة شو بدنا فيها قاعدة بتخسر والدار مليانة صراصير بتقول أمي؟؟ ..
طأطأ الرأس: سووا اللي بدو اياه…
في اليوم التالي حضر شخص غريب فتح بابه عليه دون استئذان: حجي..حبينا نخبرك انه أولادك والحجة سافروا…وإحنا اللي اشترينا الدار…بتحب تروح لحالك ع "الملجأ”..ولا نودّيك..؟؟.
ابو يحيى: ” سووا اللي بدكوا اياه”….

كذلك الشعب عندما سلّم كامل القرار والصلاحيات للحكومة ونوابه لا يسعه الا ان يقول : ” سووا اللي بدكوا اياه”!


 
تابعو الأردن 24 على google news