لماذا يقدم هؤلاء على الانتحار ..؟!
حسين الرواشدة
جو 24 :
هل وصل الشباب في بلدنا الى هذه الدرجة من اليأس والإحباط؟وهل اصبح "الانتحار” خيارهم الأخير للهروب من مشكلاتهم المستعصية عن الحل؟!
أخشى أن أقول : إن ذلك قد حصل، وإننا –جميعا- مسؤولون عنه، مجتمعنا الذي "استقال” فيه الأثرياء والموسرون من "واجبهم” يتحمل قسطا من المسؤولية، حكوماتنا التي اغرقتنا في التنظير والفساد تتحمل جزءا من المسؤولية، ومؤسساتنا الاخرى التي قصرت في توجيه الناس وترميم ثقتهم بانفسهم ومستقبلهم مسؤولة ، ونخبنا التي تتصارع على "اولويات” لا علاقة للناس بها متورطة ايضا في الجريمة.
امس، وفي حادثة غير مسبوقة ، وقف خمسة شباب فوق احدى العمارات بالقرب من دوار الداخلية ، وحاولوا ان يلقوا بانفسهم الى الارض ، لا اعتقد انهم زهدوا في الحياة وهم مقبلون عليها كغيرهم من خلق الله ، لكنهم ارادوا ان يصرخوا لكي نصحو على مأساتهم التي هي مأساة جيل كبير من الشباب الذين ادركهم الاحباط من الاستمرار في حياة كريمة. اتصور انهم وكل من سبقوهم على هذا الدرب المخيف توقفوا طويلا امام نداءات "الحياة” وهي تصرخ فيهم من اجل البقاء، لكن صرخة "الانتحار” كانت اقوى لان وراءها صوت يهدر "بالعجز” واليأس والخوف.. وقناعة أشد بأن الموت - حتى وان كان محرما بهذه الصورة - افضل بكثير من الحياة.
لا يوجد لدي بالطبع ما أدافع به عن "الانتحار” لكنني أدعو إخواننا الذين انشغلوا بـ "التدخل” في شؤون الآخرة وتحديد مصير من يقدم على هذا الفعل والآخرين الذين اصمّوا آذانهم عن سماع صرخات الانتحار التي تكررت في بلدنا ، ادعوهم الى الانشغال بسؤال واحد وهو: لماذا يقدم هؤلاء على الانتحار ؟ ولماذا يستعجلون الموت رغم ان حب الحياة والتمسك فيها جزء من فطرة الإنسان وطبيعته ايضا ؟
أليست صرخة "الانتحار” هي اقصى صرخة احتجاج يمكن ان نسمعها في مجتمعنا؟
لقد مرت للاسف عشرات حوادث "الانتحار” في بلدنا دون أن يسمعها أحد، ومع تصاعد أعدادها وقفنا عاجزين أو - ان شئت الدقة - غير مبالين من خطورة تحولها الى "ظاهرة” او الى "نماذج” ملهمة لآخرين ضاقت بهم دروب الحياة فآثروا عليها "راحة” الموت، لكن من المفارقات أن "لواقطنا” السياسية والاجتماعية التي ظلت " خارج التغطية” وتعاملت بمنطق " الاستهانة " مع صرخات الناس ومطالبهم، هي ذاتها التي تتعامل مع "الانتحار”، كصرخة احتجاج أخيرة بالمنطق نفسه، ما يعني ان دفع الناس الى الاحتجاج بأية صورة، اصبح جزءا مقبولاً في "لعبة” الصراع على الامتيازات ورفض "الخروج” من الواقع القائم الى واقع جديد، يتيح للناس استنشاق الحرية والعدالة.. ويمنحهم بعض "الأمل” بحياة كريمة يحرصون عليها بدل ان "يخرجوا” منها بلا أسف.
لقد أحسست اننا - كلنا - مسؤولون عن انتحار هؤلاء الشباب او عن مجرد تفكيرهم بالقيام به، وقلت في نفسي : لا أدري، هل ننتظر رسائل "أقسى” من رسالة هؤلاء الشباب الخمسة ومن سبقوهم ،وهل ننتظر رسائل أخرى أسوأ من رسالة مديونية تتصاعد بالميارات ومن "موازنة” تكاد أن تعلن إفلاسها.. ورسالة "مؤسسات” تنتحر هي الأخرى أمام الملأ؟ شباب يحرقون انفسهم احتجاجاً على سوء ظروفهم الاقتصادية؟
ترى ،هل بوسعنا ان نتمنى بان تكون "صرخات” الانتحار آخر الصرخات واقساها وابلغها ،وان تكون وصلت الى كل الاسماع، حتى لأسماع أولئك الذين يقللون من حجم "المحتجين” بأصواتهم في المجتمع؟ - مع الأسف - يبدو ان كل الذين "احرقوا” انفسهم او انتحروا بوسائل اخرى او حاولوا الانتحار اصبحوا مجرد "قصص” اخبارية تمر في وسائل الإعلام ثم تصطدم "بذاكرة” شعبية متعبة، أو بـ”مطابخ” قرارات لا علاقة لها بما يحدث في المجتمع.. حتى لو احرق الجميع انفسهم.-(الدستور)