فرصة للعطلة هنا وللاحتشاد هناك...!
حسين الرواشدة
جو 24 :
يخرج الشيعة في اكثر من اربعين مناسبة سنويا، للتعبير عن احتشادهم ووحدتهم واستذكار رموزهم وتاريخهم، وتصرّ المرجعيات على تحريض المقلدين والاتباع للاحتفاء بأعيادهم، واظهار حضورهم، لضمان عمليات شحن دائمة تحفظ المذهب وتبرز قوته وقدرته على التأثير.
وبغض النظر عن طقوس الاحتفالات الشيعية بالموالد والحسينيات، وما يجري من لطم وندب وبكائيات، فان التفاف الجماهير حول مرجعياتها واستخدام هذه المناسبات المتكررة لادامة "النبض” العاطفي ومواصلة رحلة "التضحية” اضاف لاتباع هذا المذهب - دون غيره من المذاهب الاسلامية - طاقة متجددة، مكنته من الصمود وحفظت تماسكه السياسي والاجتماعي على مدى اكثر من الف سنة مضت.
اما احتفاءات اتباع المذهب السني بأعيادهم ، باستثناء موسم الحج الذي يجتمع فيه المسلمون من كافة مذاهبهم ومدارسهم، فانها لا تخرج عن اقامة الندوات والقاء الخطب والزيارات، وحتى في ذكرى المولد النبوي.. او الهجرة.. او غيرهما يكتفي هؤلاء بالعطلة الرسمية والاحتفالات الرسمية الضيقة لاستذكار ما حدث.. والاعتبار منه.
طبعا، لا يوجد لاتباع مذهب السنة مرجعيات ولا يوجد مقلدون.. ولا يحتاج هؤلاء وهؤلاء الى عملية شحن او التفاف او اظهار لعنصري الوحدة والقوة.. وعلى خلاف الاخوة الشيعة فان مناسبات السنة اقل عددا، واكثر جمودا، وهي محكومة بطقوس باردة لا مجال فيها لشحذ القوى العاطفية او ادامة نبض التضحية او استعادة مواقف الضحايا ورموز الاستشهاد لاقناع الاتباع بمواصلة المسار او متابعة النهج او اظهار الندم وغسل الاخطاء والذنوب.
الاحتفالات الشيعية، بمراسيمها وطقوسها، جزء من التدين او من تراثه التاريخي على الاقل، لكنها - الآن - تستخدم للتأثير السياسي، وقد شهدنا إبان الثورة الايرانية كيف ارتمت الجماهير امام دبابات السافاك غير آبهة بالموت.. كما شهدنا كيف اصبحت النجف خطا احمر امام اجتياح قوات الاحتلال.. وكيف تحول الصدر الابن - وهو ليس مرجعية - الى رمز يستطيع حشد مئات الآلاف من المؤيدين.. ثم كيف يمكن لفتوى من المرجعية ان تقلب الامور رأسا على عقب.. اما ما يحدث الان في ساحات الحرب المذهبية التي استنفر فيها الشيعة لمواجهة السنة ، انتصارا للانظمة اوبحثا عن السيطرة والنفوذ، فحدث عنها ولا حرج.
السرّ في ذلك، كما ذكرنا، هو قدرة المرجعيات على ادامة الشحن الديني والعاطفي والعقلي عبر الاحتفالات ودروس الحوزات وغيرها طيلة ايام السنة للاتباع، ولهذا فالشارع الشيعي يبدو اكثر قدرة على الحركة والاحتشاد والتنظيم، وهو وان كان اقل خبرة في القتال او المواجهة الا ان استماتته في التضحية والبذل يندر ان يكون لها مثيل، حتى لو كانت التضحية انتحارا ، كما حدث في سوريا مؤخرا.
ربما تكون هذه محاولة للفهم لا للحكم، ولاستيعاب ما يمكن ان يحدث لو انخرط الشيعة في مواجهة مع اخوانهم السنة او مع غيرهم ، لا سمح الله.. ولكن أليس من المفيد ان نفكر - نحن اتباع المذاهب السنية - بقصة المرجعيات ودورها.. وحكاية اشهار الاحتفالات وتنظيمها والبحث عما يناسبنا من شحن دائم للهمم والعزائم.. بدل هذا الروتين الجامد الذي نستذكر به اعيادنا ورموزنا ومناسباتنا الدينية.(الدستور )