من يقرع نواقيس الخطر..؟!
حسين الرواشدة
جو 24 :
على صفحة على تويتر " غرّد " احد رؤساء الوزراء السابقين : "خمسة شباب اردنيين يحاولون الانتحار بعد فقدان الامل بفرص كريمة للعمل , علينا قرع نواقيس الخطر , وان يكون عنوان المرحلة : البطالة , البطالة , ثم البطالة .”
سأتجاوز في هذه المقالة الحديث عن محاولة انتحار الشباب الذين وفدوا الى عمان من احدى المحافظات ( كتبت عنها مرتين هنا ) واستأذن القارئ الكريم بتسجيل ملاحظتين : الاولى هي انني فعلا اضم صوتي الى " تغريدة " رئيس الوزراء الاسبق سمير الرفاعي , واتمنى على الجميع ان يساعدوه في قرع نواقيس الخطر , الثانية هي انه مع التقدير لما قاله الا ان اختزال عنوان المرحلة " بالبطالة " فقط , كمدخل لازاحة الخطر الذي يداهم مجتمعنا بحاجة الى المزيد من التحرير واعادة النظر , ليس لان غول " البطالة " ليس خطيرا على مجتمعنا , وانما لان ثمة قضايا اكبر ، دخل هذا الغول من خلالها ، وتحتاج الى دق اكثر من ناقوس , وفي مقدمتها قضية الاصلاح والعدالة واحترام القانون , ناهيك عن اعادة العافية للدولة بشكل عام .
قلت انه سبق لي ان تناولت قضية " الانتحار” والمنتحرين , وقد حان الوقت للحديث عن المسؤولين والمتفرجين , ذلك انه اذا كنا نتفق ( مهما اختلفنا على ملابسات الانتحار وجدواه وعن الشباب الذين اقتحموا مشهدنا العام من خلاله ) على خطورة ما حدث , فان انظارنا يجب ان تتجه على الفور الى الطرف الاخر الذي يتحمل مسؤولية ذلك , سواء اكان هذا الطرف ما زال يجلس على مدرجات المتفرجين او انه ينتسب الى طبقة المسؤولين , هذا الطرف يجب ان نعرف من هو المؤهل فيه لقرع نواقيس الخطر .
لابد ان ننتبه اولا الى ان اجراس التحذير التي دقت في مجتمعنا لا تتعلق فقط في محاولة الانتحار , حتى وان كانت جماعية , فقد شهدنا خلال الشهور الماضية الكثير من هذه الاصوات , لكن ما صدمنها انها في -الغالب- لم تجد من يسمعها او يؤخذها على محمل الجد , لا اتحدث فقط عن الاصوات التي خرجت من الناس وانما على اصوات اعلى اشهرتها شخصيات سياسية واقتصادية
معتبرة ليست محسوبة على خط المعارضة بالمناسبة، واخرها "تغريدة” رئيس الوزراء الاسبق التي اشرنا اليها سلفاً في بداية هذا المقال.
لا بدّ ان ننتبه ثانياً الى ان بلدنا يشهد حالة "احباط” ،ليس بسبب صعوبة الظروف الداخلية،وانما ايضاً جراء ما يحدث حولنا من "كوارث”، ومع انها حالة مفهومة ، الاّ ان التعامل معها يحتاج الى رؤية اخرى تختلف عن "البروفات” التي جربناها فيما سبق، وخاصة فيما يتعلق "بالوجوة” التي تتسيد المشهد العام، واقصد تحديداً الطبقة السياسية التي يفترض ان تتولى ادارة المرحلة ، واذا كنت اشرت امس الى حاجتنا "لرجالات” دولة حقيقيين فإنني اضيف هنا : ان ما يلزمنا هو "الثقة” بالدولة والقانون، والثقة بالحاضر والمستقبل،والثقة بأنفسنا ايضاً.
لا بد ان ننتبه ثالثاً الى ان حالة "الانتحار” لا تتعلق بأفراد في المجتمع، مهما كان عددهم ومبرراتهم، وانما يتعلق بما هو أعمق، حيث شهدت بلداننا العربية موجة من الانتحار سقطت فيها انظمة وعواصم على ايقاع حروب مذهبية وطائفية و”وطنية” ايضا، واسوأ ما حدث في كل ذلك اننا وجدنا انفسنا امام وصفات جاهزة للانتحار، نحن –بحمد الله- خرجنا منها سالمين، لكن لا نستطيع –مهما كنا متفائلين- ان نطمئن الى انها لن تؤثر علينا، مما يقتضي اخذ صرخات الانتحار على محمل الجد، ليس من اجل النجاة فقط، وانما لكي نبحث عن الطريق الصحيح للوصول الى الازدهار ايضاً.
لابدّ ان ننتبه رابعاً الى ان افتقاد مجتمعنا لحيويته وقدرته على الحركة والاعتراض سيفتح المجال أمام "تمرير” قضايا خطيرة، لا تتعلق فقط بتفاصيلنا الداخلية التي نبالغ احياناً فيها، وانما تتعلق بمصير بلدنا، لا اتحدث هنا عن "الكونفدرالية” التي يرتفع اصوات المطالبين بها هذه الايام، ولكن عن قضايا مثل الهوية الاردنية، والدور الاردني وغيرهما.
لا بد ان ننتبه اخيرا الى أن الدولة الاردنية قامت وتطورت وازدهرت على اساس معادلة متوازنة وافقت بين حكمة القيادة وثقة الناس وتضحايتهم، وبالتالي فمن واجب الجميع ان يرسخ هذه المعادلة ولا يجوز لأحد ان يجرحها بأي شكل من الاشكال..والأهم ان مؤسسات الدولة تتحمل مسؤولية ادامة هذه المعادلة وتأكيدها، باعتبارها الضمانة الاساسية لبقاء الاردن وليس لحمايته فقط.(الدستور)