رسالة الى الشيخ سالم الفلاحات
قلت للشيخ العزيز سالم الفلاحات: لا تترددوا، جماعتكم التي افنيتم اعماركم من اجلها لم تعد كما كانت، اخوانكم الذين اقتسمتم معهم التعب والمحبة وهموم الدعوة والناس تفرقو : بعضهم اخذته العزّة بأوراق الصناديق حتى احترقت امامه كل الاوراق، وبعضهم آثر الانسحاب من مسرح "اللامعقول” بحثاً عن مسرح جديد، وانتم ما زلتم تضعون رجلاً هنا ورجلاً هناك.
الآن، يمكن انا صارحك بلا تردد، منذ البيان التاريخي الذي اطلقته قبل عشر سنوات، هل تتذكر عناوينه..؟ علاقة الجماعة بالدولة، موقفكم من التكفير والارهاب، عدم الاستقواء بالخارج وحسم العلاقة مع حماس،كلها كان يمكن ان تشكل انعطافة تاريخية للجماعة لو صدقت النوايا وصحت العزائم، لكن بعدها حدث "الانقلاب” وتغيرت القناعات،وبدأتم رحلة البحث عن الذات: ذات الوطن وذات الجماعة، وانتهت كل محاولات "لم الشمل” الى الفشل.
الآن، الجماعة شيه "محظورة” ، وحزب الجبهة "ابتلع” من تبقى في صفوفها، وعلى اليمين نشأت جمعية جديدة مرخصة، ليس بعيداً عنها حزب جديد يتشكل تحت لافته "زمزم”، وانتم حائرون تفكرون في اقصر طريق نحو "الشراكة والانقاذ”، شراكة من يا فضيلة الشيخ العزيز، وانقاذ من ايضاً؟
أعرف، ستقول لي: انقاذ الفكرة الوطنية التي حملتم همها منذ خمسين عاماً، وشراكة "الاخيار” الذين اكتشفتم ان دائرة الجماعة ضاقت عليهم، أفهم ذلك واقدره، لكن ارجوك اقنعني كيف ستكون تجربتكم مختلفة عن تجربة "حزب الجبهة” ومختلفة عن تجربة "زمزم” والجمعية، كيف تكون "الشراكة” مع الاخرين وتستثني هؤلاء الذين خرجوا من رحم الجماعة مثلكم، كيف سيمد شركاؤكم ايديهم اليكم وانتم مصرون على بقاء "الحبل” السري بينكم وبين الجماعة، هل هدفكم هو انقاذ "الجماعة” ام انقاذ المشروع الوطني الذي خرجتم للشارع من اجل استعادته واصلاحه؟
حين سألتك مرّة: هل انتم جاهزون لاطلاق مشروع وطني، جاء ردك سريعاً وصادقاً، قلت: نعم، انه ضرورة وطنية ملحة وليس خيارا من الخيارات والبدائل، وقلت ايضاً: صحيح ان هناك تجارب ومحاولات لم يكتب لها النجاح قام بها اسلاميون قبل ما يزيد عن عشرين سنة (حزب جبهة العمل الاسلامي) لكن عدم نجاحها يعود الى قصور في الفهم والتطبيق الذي يمكن ان يستدرك وليس الى خطأ في الفكرة او حتى في المنهج، قلت ثالثاً: ان الغائب الرئيس والعنصر الفاعل والاهم هو توافر الثقة المتبادلة بين الذين يؤمنون بهذا المشروع ويفكرون باطلاقه على المستويين الشعبي والرسمي، هذه الثقة يمكن ان تبنى بالتدرج وعدم الاستعجال.
اسمح لي ان اعيد السؤال: هل انتم جاهزون يا فضيلة الاستاذ؟ ربما تقول لي : نعم، اجتمعنا قبل ايام وناقشنا الفكرة، ثم احلناها الى لجنة لدراستها واطلاقها في الوقت المناسب، اذاً على بركة الله، ولكن أليس من حق الناس عليكم ان تقولوا لهم بصراحة بماذا تفكرون وماذا تريدون؟ وما هو مشروعكم ومن هم شركاؤكم؟ اعرف ان الصورة لديكم واضحة، لكن الهواجس ما تزال قائمة ايضا، المهم ان تحسموا امركم ولا تترددوا، فلا شيء يضعف الفكرة، او ربما يقتلها، اكثر من التردد والانتظار.
أتذكر انك سألتني مرّة عن "الكتلة” التاريخية التي يمكن ان تنهض بالمشروع الوطني، وتكون بمثابة مخرج لردم الفجوة بين الفاعليين في مجالنا السياسي، قلت: لا بدّ من التركيز على هدف مشترك واحد وتأجيل بقية الاهداف او جدولتها، كما لا بدّ من التنازل عن الاجندات الخاصة مهما كانت هويتها، قلت ايضاً: لا بدّ من وضع وثيقة تأسيسية لمبادىء العمل داخل الكتلة بحيث يتوافق عليها المشاركون سلفاً، باعتبارها ملزمة لهم، ثم تتولى صياغة اطار عام يحسم الجدل حول الاسئلة الوطنية الكبرى بإجابات واضحة وبرامج مدروسة ومحددة زمنياُ، قلت ثالثاً: ان ثمة عوائق عديدة ستقف امام تشكيل هذه الكتلة، لكن علينا ان نتذكر ان مثل هذه العوائق - وربما اعمق منها – واجهت تجارب اخرى لكنها تجاوزتها- حدث ذلك للتجربة البولندية حين كان هدفها اقرار التعددية السياسية، ولتجربة جنوب افريقيا حين كان هدفها ترسيخ مبدأ المواطنة الكاملة، وللتجربة الاسبانية حين كان المطلوب الوصول الى الملكية الدستورية واخيراً في تونس حين قرروا تجاوز المرحلة الانتقالية واقامة دولة ديمقراطية ونظام تشاركي. هل تستطيع "الكتلة الاردنية " ان تفعل ذلك..؟
ومع ذلك، يبقى سؤال هل انتم جاهزون فعلاً برسم الاجابة، هذه التي ارجو ان لا تتأخر كثيراً.