لا عداء بلا نديّة !!
اذا كان لمفهوم الصداقة تعريف يحدد دلالته فإن العداء ايضا كذلك، اللهم الا اذا كان هناك اصدقاء من طرف واحد واعداء من طرف واحد ! والصداقة قد لا تشترط النديّة، لأنها قد تحدث بين انسانين من طبقتين مختلفتين او من مهنتين متباعدتين، لكن العداء يشترط الندية بحيث لا يحق لشخص ان يصنّف نفسه عدوا لشخص آخر يشفق عليه ويتمنى ان يقدم له العون كي ينقذه من اوهامه الدونكيشوتية، لأن سيوفه وعصيّه وحتى اقلامه تتكسر على الطواحين الخشبية، وان كان احيانا يظفر بتابع مثل سانشوا ينقل انتصاراته الكاذبة الى ذويه .
وفي أدبيات الفروسية القديمة لم يكن التقليل من شان العدو والاستخفاف به من شيم الفرسان، فهم غالبا ما يمتدحون اعداءهم كما فعل عنترة كي يكون لانتصارهم معنى حيث لا قيمة لانتصار ما رد على قزم، او رجل بالغ على طفل ! ورغم ان مصطلح الصداقة مشتق من الصدق الا انه في الحقيقة يستخدم مجازيا والصداقات التي تدوم هي القائمة على تبادل الحك او التواطؤ، واحيانا تكون اقرب الى صداقة الدب الذي قتل صاحبه ليحميه من ذبابة ، فما هو السبيل لاقناع من يتصور بأنه اصبح في مرتبة العدو بأنه دون ذلك بكثير، وانه يستحق الاشفاق والرثاء لحاله، قد نجد اجابات سايكولوجية عن هذا السؤال لكنها تبدو احيانا معقّدة وان كان تبسيطها ممكنا الى حدّ ما .
فمن يحاول ان يصنع من نفسه عدوا ازاء شخص لا يرى فيه ذلك، هو اشبه بمن يرضع دمية من مطاط وينتظر منها النموّ لأنه يلعب مع نفسه امام المرايا بل يحاول ان يكون منتصرا ولو على ظله، ولو شئت اختصار المسألة فهي اشبه بنكتة فرنسية لا تضحك غير المشتغلين في مجال علم النفس، وهي ان ماسوشيا سجينا سمع من السجان ان هناك ساديا سوف يأتي ويقاسمه الزنزانة فرقص فرحا لأن هناك من سيعذّبه بالضرب طيلة الوقت، وغاب عنه ان السادي عندما قاسمه الزنزانة امتنع عن ضربه بل عامله بمودة وكان ذلك انكى من التعذيب !!
(الدستور)