بصلة المحبّ
خيري منصور
جو 24 : ما اكثر الامثال في تراثنا عن الزهد لكنها بمرور الوقت وتفاقم الأزمات فقدت دسمها ومفعولها واصبحت محنطة على الورق او في المتاحف، فمن قالوا ان بصلة المُحب خاروف اختصروا المسألة كلها، وأضافوا الى النظرية النسبية بعدا انسانيا واجتماعيا، فالقليل اذا صدر عن نفس معافاة يكفي، لكن الكثير الملوث بأهداف استعراضية استرضاء للنرجسية هو في حقيقة اقل القليل، ومن قالوا ان بيت الضيق يتسع لألف صديق ، دفعهم الى هذا القول زمان آخر، كان الصديق فيه صدوقا والبيت بيتا وليس جُحر، فثمة بيوت قد تكون مساحتها الاف الامتار المربعة لكنها لا تتسع لأكثر من شخص واحد، لأن مفهوم الضيق والاتساع نفسي ونسبي ايضا .
وأذكر انني سألت الصديق الراحل عبد الرحيم عمر ذات يوم عن بيت شعر في احد دواوينه يقول فيه على لسان أبيه : الزّاد اشرفه القليل، فابتسم وقال : هذا صحيح لكن في ايام الصبا كان الزاد نظيفا كحليب الامهات ويوم كان الشرف اكثر من مجرد كلمة نُقسم بها الف مرة في اليوم .
فهل مضى ذلك الزمان الذي جاعت فيه الحرّة ولم تأكل بثدييها وكانت فيه بصلة العاشق قطيع خراف وليس خروفا واحدا ؟ فالعالم لم يتغير فقط بل انقلب رأسا على عقب، وهذا ما سمعته مبكرا من امي حين كانت تردد عبارات لم افهمها الا بعد رحيلها وهي ( صرنا بين القوم مَعْيَرَة، العبد يحمي الحرّ والحرّ يضرب مَرَة ) .
ان ما انجزته ثقافة الاستهلاك من شرور ابعد مما نتصور، فقد اصابت البشر بالسّعار واصابت البطون بالجرب بحيث لا تشبع حتى من التراب ! اما المفارقة فإن معظم ما نشكو منه ليل نهار هو من صناعة ايدينا، لكننا نملك من فائض الوهم واحيانا الكذب ما يدفعنا الى تبرئة انفسنا من كل ما نقترف . فالبصلة الان مجرد بصلة لأنها بلا حب وبيت الضيق لا يتسع حتى لصديق واحد!!
(الدستور)