عن النسور والليبرالية الجديدة والانتخابات
ناهض حتر
جو 24 : لم يلحظ الدكتور عبدالله النسور، للأسف، أن سمعته، كسياسي، ترتبط بكونه عضوا في البيروقراطية الوطنية، أي الحرس القديم، وأنه عززها بعدد من المواقف الاعتراضية ـ ولا أقول المعارضة ـ في مجلس النوّاب.
لكن، مع كل يوم جديد يقضيه النسور في الدوّار الرابع، ومع كل تصريح يصرّحه، ومع كل لقاء له مع الأوساط السياسية والنقابية والإعلامية الخ، نكتشف بأننا لا نعرف هذا الرجل!
في الأداء السياسي، كنتُ أتوقّع من النسور أن يأخذ على محمل الجد، مهمته الوطنية كأول رئيس وزراء مؤقت بين مجلسين نيابيين، فيعمل على توفير الأجواء المناسبة لإنجاح الانتخابات البرلمانية، بما في ذلك إجراء الحوارات السياسية الموسعة مع أطراف العملية السياسية. لكنه، بدلا من التفرّغ لإنجاز تلك المهمة البالغة الأهمية، دستوريا وسياسيا، اندمج مع الليبراليين الجدد عابري الحكومات، فأصبح رجلهم، بدلا من أن يكونوا وزراءه! وراح يناور المجتمع الأردني لفرض إجراءات مالية غير ملائمة من النواحي الدستورية و السياسية والاقتصادية والاجتماعية معا؛
في العرف الدستوري الديموقراطي لا يحق للحكومات التي تشرف على إجراء الانتخابات النيابية، إقرار سياسات مالية واقتصادية بعيدة المدى. وإلاّ فما الحاجة للانتخابات أصلا ؟ أوليس دورها الأساسي هو التوصل إلى حكومة برلمانية ذات شرعية انتخابية تقرر السياسات البعيدة المدى؟
أرجو، هنا، أن نعود إلى أصل الحكاية؛ فقد سيطر نهج الليبراليين الجدد على القرار الاقتصادي في البلاد طوال العشريّة الفائتة، وخصخص أو أهدر موجودات القطاع العام في أسوأ شكل ممكن، وفشل بصورة لا تقبل النقاش، وأظهر انعدام الكفاءة في التخطيط والتنفيذ، وأوصل المالية العامة إلى كارثة انفجار المديونية والعجز، مخلفا وراءه جملة من ملفات الفساد المفتوحة.
في الأساس، هبت القوى الاجتماعية الأردنية ضد هذا النهج في العام 2010، وتصاعدت الهبة في العام 2011 و2012، ولم نتوصل إلى حل للصراع بين النهج الليبرالي الجديد والنهج الاجتماعي. وبالنظر إلى الظروف الإقليمية المعقّدة، قَبِل قسم كبير من الوطنيين الأردنيين، الاحتكام إلى صناديق الاقتراع والمشاركة في عملية سياسية تنتهي بحسم الجدل ومراجعة الخصخصة والنهج الاقتصادي الليبرالي الجديد كله الخ. وقد أعلن الملك بنفسه أنه يدعم مثل تلك المراجعة.
ولكن، إذا كانت حكومة النسور قد قررت السير مع وجهة نظر الليبراليين الجدد في معالجة أزمة المالية العامة متجاهلة الحلول الأخرى، الاجتماعية والاقتصادية والإدارية، فما الذي يبقى لنا لنناقشه في مجلس النواب المقبل، ولماذا هي هذه العملية السياسية إذا كان الفريق الاقتصادي العابر للحكومات سوف يحدد للحكومة البرلمانية مسبقا برنامجها؟
يمكننا أن نتوقع، منذ الآن، الآثار الاقتصادية والاجتماعية الشديدة السوء لبرنامج رفع الدعم عن المشتقات النفطية والكهرباء مقابل تعويضات مالية. وهي وصفة محروقة منذ وقت طويل ( هل تذكرون حكومة عبد الكريم الكباريتي وقولته الشهيرة: الدفع قبل الرفع؟)
أزمة المالية العامة ضخمة جدا، وتحتاج إلى معالجة شاملة تنتظمها سياسات لا إجراءات. ما هي تلك السياسات ؟ هذا ما ستقرره صناديق الاقتراع والعملية السياسية، ولا يجوز لرئيس الوزراء المؤقت أن يقرره عشية الانتخابات.
آه .. بالنسبة للدكتور النسور، اكتشفنا، أمس، أنه من مؤيدي الخصخصة، وأنه يراها قد نجحت في التجربة الأردنية. وبالمحصلة، أبدى الرجل استعداده للتخلي عن عضوية الحرس القديم، كما كان تخلى عن اعتراضاته السابقة في مجلس النواب.
حقا ..إن الحس الشعبي في السلط .. لا يخطئ أبدا.
ynoon1@yahoo.com
(العرب اليوم)
لكن، مع كل يوم جديد يقضيه النسور في الدوّار الرابع، ومع كل تصريح يصرّحه، ومع كل لقاء له مع الأوساط السياسية والنقابية والإعلامية الخ، نكتشف بأننا لا نعرف هذا الرجل!
في الأداء السياسي، كنتُ أتوقّع من النسور أن يأخذ على محمل الجد، مهمته الوطنية كأول رئيس وزراء مؤقت بين مجلسين نيابيين، فيعمل على توفير الأجواء المناسبة لإنجاح الانتخابات البرلمانية، بما في ذلك إجراء الحوارات السياسية الموسعة مع أطراف العملية السياسية. لكنه، بدلا من التفرّغ لإنجاز تلك المهمة البالغة الأهمية، دستوريا وسياسيا، اندمج مع الليبراليين الجدد عابري الحكومات، فأصبح رجلهم، بدلا من أن يكونوا وزراءه! وراح يناور المجتمع الأردني لفرض إجراءات مالية غير ملائمة من النواحي الدستورية و السياسية والاقتصادية والاجتماعية معا؛
في العرف الدستوري الديموقراطي لا يحق للحكومات التي تشرف على إجراء الانتخابات النيابية، إقرار سياسات مالية واقتصادية بعيدة المدى. وإلاّ فما الحاجة للانتخابات أصلا ؟ أوليس دورها الأساسي هو التوصل إلى حكومة برلمانية ذات شرعية انتخابية تقرر السياسات البعيدة المدى؟
أرجو، هنا، أن نعود إلى أصل الحكاية؛ فقد سيطر نهج الليبراليين الجدد على القرار الاقتصادي في البلاد طوال العشريّة الفائتة، وخصخص أو أهدر موجودات القطاع العام في أسوأ شكل ممكن، وفشل بصورة لا تقبل النقاش، وأظهر انعدام الكفاءة في التخطيط والتنفيذ، وأوصل المالية العامة إلى كارثة انفجار المديونية والعجز، مخلفا وراءه جملة من ملفات الفساد المفتوحة.
في الأساس، هبت القوى الاجتماعية الأردنية ضد هذا النهج في العام 2010، وتصاعدت الهبة في العام 2011 و2012، ولم نتوصل إلى حل للصراع بين النهج الليبرالي الجديد والنهج الاجتماعي. وبالنظر إلى الظروف الإقليمية المعقّدة، قَبِل قسم كبير من الوطنيين الأردنيين، الاحتكام إلى صناديق الاقتراع والمشاركة في عملية سياسية تنتهي بحسم الجدل ومراجعة الخصخصة والنهج الاقتصادي الليبرالي الجديد كله الخ. وقد أعلن الملك بنفسه أنه يدعم مثل تلك المراجعة.
ولكن، إذا كانت حكومة النسور قد قررت السير مع وجهة نظر الليبراليين الجدد في معالجة أزمة المالية العامة متجاهلة الحلول الأخرى، الاجتماعية والاقتصادية والإدارية، فما الذي يبقى لنا لنناقشه في مجلس النواب المقبل، ولماذا هي هذه العملية السياسية إذا كان الفريق الاقتصادي العابر للحكومات سوف يحدد للحكومة البرلمانية مسبقا برنامجها؟
يمكننا أن نتوقع، منذ الآن، الآثار الاقتصادية والاجتماعية الشديدة السوء لبرنامج رفع الدعم عن المشتقات النفطية والكهرباء مقابل تعويضات مالية. وهي وصفة محروقة منذ وقت طويل ( هل تذكرون حكومة عبد الكريم الكباريتي وقولته الشهيرة: الدفع قبل الرفع؟)
أزمة المالية العامة ضخمة جدا، وتحتاج إلى معالجة شاملة تنتظمها سياسات لا إجراءات. ما هي تلك السياسات ؟ هذا ما ستقرره صناديق الاقتراع والعملية السياسية، ولا يجوز لرئيس الوزراء المؤقت أن يقرره عشية الانتخابات.
آه .. بالنسبة للدكتور النسور، اكتشفنا، أمس، أنه من مؤيدي الخصخصة، وأنه يراها قد نجحت في التجربة الأردنية. وبالمحصلة، أبدى الرجل استعداده للتخلي عن عضوية الحرس القديم، كما كان تخلى عن اعتراضاته السابقة في مجلس النواب.
حقا ..إن الحس الشعبي في السلط .. لا يخطئ أبدا.
ynoon1@yahoo.com
(العرب اليوم)